(ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ فَلَمْ يَجِدْ مَاءً فَعَمِلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ التَّيَمُّمِ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَلَيْسَ الَّذِي وَجَدَ مَاءً بِأَطْهَرَ مِنْهُ وَلَا أَتَمَّ صَلَاةً لِأَنَّهُمَا أُمِرَا جَمِيعًا فَكُلٌّ عَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ وَإِنَّمَا الْعَمَلُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْوُضُوءِ لِمَنْ وَجَدَ الْمَاءَ وَالتَّيَمُّمِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ الْجُنُبِ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيَقْرَأُ حِزْبَهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَيَتَنَفَّلُ مَا لَمْ يَجِدْ مَاءً وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ بِالتَّيَمُّمِ) .

ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ هَذَا أَدَّى الصَّلَاةَ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا بِهِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا بِوُجُودِ الْمَاءِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا كَمَا لَوْ وَجَدَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْوَقْتِ.

(ش) : قَوْلُهُ فَعَمِلَ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ التَّيَمُّمِ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ لِاجْتِمَاعِ شُرُوطِ التَّيَمُّمِ فِيهِ مِنْ عَدَمِ الْمَاءِ بَعْدَ الطَّلَبِ وَدُخُولِ الْوَقْتِ فَهَذَا الَّذِي أَطَاعَ اللَّهَ تَعَالَى وَقَوْلُهُ لَيْسَ الَّذِي وَجَدَ الْمَاءَ بِأَطْهَرَ مِنْهُ يُرِيدُ أَنَّ هَذَا الْمُتَيَمِّمَ قَدْ أَدَّى فَرْضَهُ كَمَا أَدَّاهُ الْمُتَوَضِّئُ وَلَيْسَتْ اسْتِبَاحَةُ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمَاءِ لِصَلَاتِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ اسْتِبَاحَةِ الْمُتَيَمِّمِ لَهَا وَلَا أَتَمَّ صَلَاةً يُرِيدُ فِي الْأَدَاءِ لِأَنَّ ذِمَّةَ الْمُتَيَمِّمِ قَدْ بَرِئَتْ مِنْ صَلَاتِهِ كَمَا بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمُتَوَضِّئِ وَبَيَّنَ هَذَا بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُمَا أُمِرَا جَمِيعًا أُمِرَ الْمُتَيَمِّمُ بِالتَّيَمُّمِ وَأُمِرَ الْوَاجِدُ لِلْمَاءِ بِالْوُضُوءِ فَإِذَا تَيَمَّمَ هَذَا وَصَلَّى وَتَوَضَّأَ الْآخَرُ فَقَدْ فَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا أُمِرَ بِهِ وَأَدَّى فَرْضَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَزِمَ وَكَذَلِكَ الصَّحِيحُ وَصَاحِبُ الْجَبَائِرِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ عَمِلَ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ لِلشُّجُوجِ وَمُبَاشَرَةِ الْعُضْوِ بِالْمَاءِ لِلصَّحِيحِ فَلَا يُقَالُ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَدَّى فَرْضَهُ دُونَ الْآخَرِ وَلَا أَنَّ طَهَارَةَ أَحَدِهِمَا أَتَمُّ فِي بَابِ الْإِجْزَاءِ وَهُوَ الَّذِي قَصَدَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَمَّا الْكَلَامُ عَلَى الْفَضِيلَةِ فَلَمْ يَعْرِضْ لَهَا فَإِنَّ الْفَضْلَ قَدْ يُوجَدُ فِي الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ الْجُنُبَ يَتَيَمَّمُ وَيَقْرَأُ حِزْبَهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَيَتَنَفَّلُ مِرَارًا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى فَصْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْجُنُبَ يَتَيَمَّمُ وَيَقْرَأُ حِزْبَهُ مِنْ الْقُرْآنِ يَسْتَبِيحُ مَا تَمْنَعُ مِنْهُ الْجَنَابَةُ بِالتَّيَمُّمِ.

وَالثَّانِي: تَفْسِيرُ مَا يَسْتَبِيحُهُ الْجُنُبُ بِالتَّيَمُّمِ فَأَمَّا اسْتِبَاحَةُ الْجُنُبِ الصَّلَاةَ وَغَيْرَهَا مِنْ مَمْنُوعَاتِ الْجَنَابَةِ بِالتَّيَمُّمِ فَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.

وَرُوِيَ مَنْعُهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي مِنْ قَوْلِهِمَا أَنَّهُمَا إنَّمَا مَنَعَا ذَلِكَ لِلذَّرِيعَةِ وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا وَائِلٍ رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ لَوْ رَخَّصْنَا لَهُمْ فِيهَا لَأَوْشَكَ إذَا يَرِدُ عَلَى أَحَدِهِمْ الْمَاءُ أَنْ يَدَعَهُ وَيَتَيَمَّمَ.

وَقَدْ رَوَى الضَّحَّاكُ ابْنُ مُزَاحِمٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ تَرَكَ قَوْلَهُ فِي الْجُنُبِ لَا يُصَلِّي حَتَّى يَغْتَسِلَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] إلَى قَوْلِهِ {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِالنَّاسِ فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ الصَّلَاةِ إذَا رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ قَالَ مَا مَنَعَك يَا فُلَانُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ قَالَ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ قَالَ عَلَيْك بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيك» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا حُكْمُ مُحْدِثٍ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فَكَانَ فَرْضُهُ التَّيَمُّمَ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ كَالْمُحْدِثِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا مَا يَسْتَبِيحُهُ الْجُنُبُ بِالتَّيَمُّمِ فَهُوَ كُلُّ أَمْرٍ مِنْ شَرْطِهِ الطَّهَارَةُ الْكُبْرَى كَالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إنَّ الْجُنُبَ لَا يَمُرُّ فِي الْمَسْجِدِ فَعَلَى هَذَا إذَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ.

1 -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ بِالتَّيَمُّمِ يُرِيدُ أَنَّ مَنْ كَانَ وَاجِدًا لِلْمَاءِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَبِيحَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ بِالتَّيَمُّمِ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَكُونُ بَدَلًا مِنْ الْوُضُوءِ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَعَدَمِ الْمَاءِ وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ وَإِجْزَائِهِ وَأَمَّا فِي الْحَضَرِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ فِي الْحَضَرِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ فِي الْحَضَرِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ عَادِمَ الْمَاءِ مَعْنًى يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ فِي السَّفَرِ فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ مَعَهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015