(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَتَظَاهَرُ مِنْ أَمَتِهِ إنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنْ يُصِيبَهَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا) .
(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: لَا يَدْخُلُ عَلَى الرَّجُلِ إيلَاءٌ فِي تَظَاهُرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُضَارًّا لَا يُرِيدُ أَنْ يَفِيءَ مِنْ تَظَاهُرِهِ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQمِثْلُ قَوْله تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة: 226] لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالْفَيْئَةِ هَاهُنَا إعَادَةُ الْإِيلَاءِ فَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالْعَوْدَةِ إعَادَةُ الظِّهَارِ وَقَالَ الْأَخْفَشُ: تَقْدِيرُهُ وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ لِمَا قَالُوا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ أَجْلِ مَا قَالُوا.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ: فَإِنْ أَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ يَقْتَضِي وُجُوبَهَا بِنَفْسِ الْعَزْمِ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ وُجُوبًا مُتَفَرِّقًا كَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بَعْدَ الْحِنْثِ الَّذِي لَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا بِالْأَدَاءِ، وَالثَّانِي أَنْ لَا يَجِبَ بِالْعَوْدَةِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ شَرْطًا فِي اسْتِبَاحَةِ الْوَطْءِ كَالطَّهَارَةِ الَّتِي لَا تَجِبُ لِنَفْسِهَا، وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى مَنْ أَرَادَ صَلَاةً أَوْ مَسَّ مُصْحَفًا لِاسْتِبَاحَةِ ذَلِكَ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ مَالِكٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ: إنَّ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] إنَّهُ إرَادَةُ الْإِمْسَاكِ، وَالْوَطْءِ، فَإِذَا أَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ إنْ مَاتَتْ أَوْ طَلَّقَهَا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَهَذَا عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَأَمَّا عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي، وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ مَسَائِلِ أَصْحَابِنَا وَأَقْوَالِهِمْ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ أَنَّهُ إذَا أَجْمَعَ عَلَى الْإِمْسَاكِ ثُمَّ صَامَ بَعْضَ الْكَفَّارَةِ ثُمَّ بَانَتْ مِنْهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنْ نَكَحَهَا يَوْمًا ابْتَدَأَ، وَلَوْ تَقَرَّرَ وُجُوبُهَا لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ بِذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ ثُمَّ بَانَتْ مِنْهُ أَوْ طَلَّقَهَا لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ لَمَّا تَقَرَّرَ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ بِالْوَطْءِ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ: وَإِنْ طَلَّقَهَا وَلَمْ يُجْمِعْ بَعْدَ تَظَاهُرِهِ مِنْهَا عَلَى إمْسَاكِهَا وَإِصَابَتِهَا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَمْ تَجِبْ بَعْدَ عَزْمِ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْإِمْسَاكِ وَيَقْتَضِي أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْإِمْسَاكِ عَوْدَةٌ أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ الْعَوْدَةِ يُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ وَيُسْقِطُ التَّمَادِيَ عَلَى مَا قَدْ شَرَعَ فِيهِ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِهِ أَنْ لَا يُجْمِعَ عَلَى الْإِمْسَاكِ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ مَالِكٍ: فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدُ لَمْ يَمَسَّهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الْمُتَظَاهِرِ يَقْتَضِي بَقَاءَ حُكْمِ الظِّهَارِ، وَهُوَ الْمَنْعُ مِنْ الْمَسِيسِ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ وَيَقْتَضِي قَوْلُهُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْإِمْسَاكِ عَوْدَةٌ.
(ش) : قَوْلُهُ: إنْ أَرَادَ مَنْ تَظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ أَنْ يُصِيبَهَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ يَقْتَضِي تَعَلُّقَ الظِّهَارِ بِالْأَمَةِ كَتَعَلُّقِهِ بِالزَّوْجَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً فَظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَتَّى يُكَفِّرَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلظِّهَارِ تَأْثِيرًا فِي تَحْرِيمِ الْوَطْءِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ تَحِلَّ لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ.
(ش) : قَوْلُهُ: لَا يَدْخُلُ عَلَى الرَّجُلِ إيلَاءٌ فِي تَظَاهُرِهِ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ تَظَاهُرًا غَيْرَ مُعَلَّقٍ بِصِفَةٍ، وَإِنْ عَلَّقَهُ بِصِفَةٍ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا، وَكَذَا فَإِنَّهُ يَضْرِبُ لَهُ أَجَلَ الْإِيلَاءِ مِنْ يَوْمِ يَرْفَعُهُ إلَى السُّلْطَانِ وَيُلْزِمُهُ حُكْمَ الْمُولِي؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مَمْنُوعٌ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ حَتَّى يَفْعَلَ مَا عَلَّقَ يَمِينَهُ بِهِ، فَإِذَا كَانَ مُمْتَنِعًا مِنْ الْوَطْءِ لِأَجْلِ يَمِينِهِ بِالظِّهَارِ وَلَمْ تَكُنْ الْيَمِينُ مُبَاشَرَةً لِلْمَنْعِ مِنْ الْوَطْءِ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ إلَّا إذَا طَالَبَتْهُ الزَّوْجَةُ بِذَلِكَ وَرَفَعَتْهُ فَيَضْرِبُ لَهُ السُّلْطَانُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَجَلَ الْمُولِي.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا إذَا كَانَ الظِّهَارُ مُطْلَقًا غَيْرَ مُعَلَّقٍ بِصِفَةٍ فَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الظِّهَارِ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ لَمْ تُبَاشِرْ الْمَنْعَ مِنْ الْوَطْءِ، وَإِنَّمَا تَحْرِيمُ الْوَطْءِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِهِ كَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُضَارًّا لَا يُرِيدُ أَنْ يَفِيءَ مِنْ تَظَاهُرِهِ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَجِدَ الْكَفَّارَةَ فَلَا يُكَفِّرُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ ضَرَرَهُ لَمْ يُوقَفْ إلَّا أَنْ يَطُولَ ذَلِكَ وَرَوَى أَشْهَبُ