(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَالظِّهَارُ مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَالنَّسَبِ سَوَاءٌ قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ ظِهَارٌ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQحِينَئِذٍ فَهَلْ تُجْزِئُهُ كَفَّارَتُهُ تِلْكَ أَمْ لَا رَوَى سَحْنُونٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الْمُتَظَاهِرَ يُكَفِّرُ بَعْدَ نِيَّةِ الْعَوْدَةِ لَكِنْ يُرِيدُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أَوْ يَقُولَ: إنْ رَاجَعْتهَا حَلَّتْ لِي بِغَيْرِ ظِهَارٍ لَا تُجْزِئُهُ حَتَّى يَنْوِيَ الْعَوْدَةَ قَالَ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَنْ كَفَّرَ بِغَيْرِ نِيَّةِ الْعَوْدَةِ لَمْ يُجْزِهِ.
وَقَدْ رَأَيْت لِلشَّيْخِ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ لَا يُرَاعِي الْعَوْدَةَ، وَإِنَّمَا يُرَاعِي ذَلِكَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يُكَفِّرَ قَبْلَ الْعَوْدَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ: إنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَأَمَّا الْحَالِفُ بِالظِّهَارِ إنْ فَعَلَ كَذَا فَقَدْ رَوَى عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُكَفِّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ كَمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا لَا يُقَدِّمُ الطَّلَاقَ قَبْلَ الْحِنْثِ، وَلَوْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا بِطَلَاقٍ أَوْ ظِهَارٍ فَإِنَّ لَهُ تَقْدِيمَ الْكَفَّارَةِ، وَالطَّلَاقِ قَبْلَ الْحِنْثِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ لَيَفْعَلَنَّ عَلَى حِنْثٍ وَمِنْ وَقْتِ يَمِينِهِ فَلَا يُقَالُ فِيهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ كَفَّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفُوتَهُ الَّذِي حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: إذَا وُجِدَتْ الْعَوْدَةُ قَبْلَ أَنْ يُوجَدَ الْوَطْءُ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ فِي هَذِهِ الْحَالِ مُجْزِئَةٌ وَلَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ: لَوْ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَتْ سَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ شَرَعَ فِيهَا لَسَقَطَ عَنْهُ بَاقِيهَا إلَّا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ فَتَثْبُتُ الْكَفَّارَةُ ثَانِيَةً وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ إذَا أَجْمَعَ عَلَى الْعَوْدَةِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَخْبَرَنِيهِ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ أَصْبَغُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ بَعْدَ الْوَطْءِ فَإِنَّهَا حَالَةٌ يَتَقَرَّرُ فِيهَا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَتْ أَوْ طَلَّقَهَا لَزِمَهُ إخْرَاجُ الْكَفَّارَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَوْ كَانَ شَرَعَ فِيهَا قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ أَوْ طَلَّقَهَا لَزِمَهُ إتْمَامُهَا.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَيَكُفُّ عَنْهَا حَتَّى يُكَفِّرَ وَيَسْتَغْفِرَ اللَّهَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أَتَى الْمَحْظُورَ مِنْ تَقْدِيمِ الْمَسِيسِ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَتُوبَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَسْتَدِيمَهُ بَلْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْهُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْنَعَهُ نَفْسَهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ، وَيَحُولُ السُّلْطَانُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَيُؤَدِّبُهُ إنْ أَرَادَ ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ أَرَادَ ارْتِكَابَ الْمَحْظُورِ الْمَزْجُورِ عَنْهُ فَوَجَبَ رَدْعُهُ عَنْهُ بِالْأَدَبِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَيَكُونُ مَعَهَا فِي الْبَيْتِ وَيَدْخُلُ عَلَيْهَا بِالْإِذْنِ إذَا أَمِنَتْ نَاحِيَتَهُ.
(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الظِّهَارَ لَازِمٌ مِنْ جَمِيعِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ فَمَنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِالرَّضَاعَةِ أَوْ النَّسَبِ وَلَمْ يَذْكُرْ تَحْرِيمَ الْمُصَاهَرَةِ لِأُمِّ زَوْجَتِهِ وَزَوْجَةِ أَبِيهِ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُنَّ حُكْمَ مَنْ ظَاهَرَ؛ لِأَنَّهُنَّ مِمَّنْ حَرُمَ عَلَيْهِ التَّأْبِيدُ وَفِي الْمَبْسُوطِ، وَالْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، فَإِنْ ظَاهَرَ مِنْ صِهْرٍ فَهُوَ مُظَاهِرٌ فِي رَأْيِي؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] .
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ ابْنِي أَوْ رَجُلٍ مِنْ النَّاسِ فَهُوَ ظِهَارٌ رَوَاهُ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ، وَعَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِظَهْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ كَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَأَشَدُّ تَحْرِيمًا فَلَزِمَهُ الظِّهَارُ كَمَا لَوْ شَبَّهَهَا بِظَهْرِ بَهِيمَةٍ وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَبَعْضِ مَنْ حَرَّمَ الْقُرْآنُ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ مَنْ تَحِلُّ لَهُ مِنْ إمَائِهِ وَأَزْوَاجِهِ فَلَيْسَ بِمُظَاهِرٍ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا شَبَّهَهَا بِمُبَاحَةٍ فَبَقِيَتْ عَلَى حُكْمِ الْإِبَاحَةِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ مَالِكٍ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ ظِهَارٌ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُنَّ أَنْ يُظَاهِرْنَ مِنْ الْأَزْوَاجِ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَيْسَ إلَيْهِنَّ، وَإِنَّمَا التَّحْرِيمُ إلَى الْأَزْوَاجِ كَالطَّلَاقِ، وَلَوْ طَلَّقَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حُكْمُ الطَّلَاقِ، وَأَصْلُ هَذَا قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] فَعَلَّقَ الْحُكْمَ بِالرِّجَالِ فِي نِسَائِهِمْ وَبِاَللَّهِ