[ما لا يبين من التمليك]

مَا لَا يَبِينُ مِنْ التَّمْلِيكِ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا خَطَبَتْ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَرِيبَةَ بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ فَزَوَّجُوهُ ثُمَّ إنَّهُمْ عَتَبُوا عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَالُوا مَا زَوَّجْنَا إلَّا عَائِشَةَ فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَجَعَلَ أَمْرَ قَرِيبَةَ بِيَدِهَا فَاخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا) .

ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا لَا يَبِينُ مِنْ التَّمْلِيكِ]

(ش) : قَوْلُهُ: إنَّهَا خَطَبَتْ قَرِيبَةَ بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَزَوَّجُوهَا مِنْهُ ثُمَّ إنَّهُمْ عَتَبُوا عَلَيْهِ فِي أَمْرٍ يُرِيدُ أَنَّهُمْ وَجَدُوا عَلَيْهِ فِي أَمْرٍ خَالَفَهُمْ فِيهِ فَقَالُوا مَا زَوَّجْنَا إلَّا عَائِشَةَ يُرِيدُ أَنَّهُمْ إنَّمَا وَثِقُوا بِفَضْلِهَا، وَأَنَّهَا لَا تَرْضَى لَهُمْ بِأَذًى وَلَا تُسَوِّغُ أَخَاهَا الْإِضْرَارَ بِهِمْ فِي وَلِيَّتِهِمْ فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ بِذَلِكَ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَعَلَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَصْرِفَهُ وَتَسْتَنْزِلَهُ عَنْ الْمَعْنَى الَّذِي عَتَبُوا عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِهِ وَلَعَلَّهُ كَانَ نِكَاحًا عَلَيْهَا أَوْ تَسَرِّيًا أَوْ إيثَارًا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَجَعَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَمْرَ قَرِيبَةَ بِيَدِهَا يُرِيدُ مَلَّكَهَا أَنْ تَبْقَى عِنْدَهُ عَلَى الْأَمْرِ الَّذِي عَتَبُوا عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِهِ أَوْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا إنْ شَاءَتْ وَفِي ذَلِكَ إزَالَةُ مَلَامَتِهِمْ عَنْ عَائِشَةَ فَاخْتَارَتْ قَرِيبَةُ، وَهِيَ الْمُمَلَّكَةُ زَوْجَهَا فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ عَلَيْهِمَا وَلَا أَفْتَاهُمَا بِهِ مَنْ كَانَ يُفْتِي فِي الْوَقْتِ وَلَا رَآهُ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ كَعَائِشَةَ وَغَيْرِهَا، وَعَلَى هَذَا الْجُمْهُورُ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّجَتْ حَفْصَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ غَائِبٌ بِالشَّامِ فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: وَمِثْلِي يُصْنَعُ هَذَا بِهِ وَمِثْلِي يُفْتَاتُ عَلَيْهِ فَكَلَّمْت عَائِشَةُ الْمُنْذِرَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ الْمُنْذِرُ: فَإِنَّ ذَلِكَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَا كُنْت لِأَرُدَّ أَمْرًا قَضَيْتِهِ فَقَرَّتْ حَفْصَةُ عِنْدَ الْمُنْذِرِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا) .

(ش) : قَوْلُهُ إنَّ عَائِشَةَ زَوَّجَتْ حَفْصَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ غَائِبٌ بِالشَّامِ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ: أَحَدَهُمَا أَنَّهَا بَاشَرَتْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ وَرَوَاهُ ابْنُ مُزَيَّنٍ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ قَالَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ يُرِيدُ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حِينَ كَانَ بِهَا عِيسَى؛ لِأَنَّ مَالِكًا وَفُقَهَاءَ الْمَدِينَةِ لَا يُجَوِّزُونَ نِكَاحًا عَقَدَتْهُ امْرَأَةٌ وَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا قَدَّرَتْ الْمَهْرَ وَأَحْوَالَ النِّكَاحِ، وَتَوَلَّى الْعَقْدَ أَحَدٌ مِنْ عَصَبَتِهَا وَنُسِبَ الْعَقْدُ إلَى عَائِشَةَ لَمَّا كَانَ تَقْرِيرُهُ إلَيْهَا.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُقَرِّرُ أَمْرَ النِّكَاحِ ثُمَّ تَقُولُ: اعْقِدُوا، فَإِنَّ النِّسَاءَ لَا يَعْقِدْنَ النِّكَاحَ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَصِحُّ أَنْ تَعْقِدَ نِكَاحًا لِنَفْسِهَا وَلَا لِامْرَأَةٍ غَيْرِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا عَقْدُ نِكَاحِ حَفْصَةَ وَأَبُوهَا غَائِبٌ، وَهِيَ بِكْرٌ، فَإِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ نِكَاحَ بِكْرٍ ذَاتِ أَبٍ غَيْرُ أَبِيهَا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ غَابَ غَيْبَةَ انْقِطَاعٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ لَا تُرْجَى رَجْعَتُهُ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِثْلُ مَنْ يَخْرُجُ مِنْ مِصْرَ غَازِيًا إلَى الْأَنْدَلُسِ وَإِفْرِيقِيَةَ أَوْ طَنْجَةَ فَهَذِهِ تُزَوَّجُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: إذَا كَانَ اسْتِئْذَانُهُ يَتَعَذَّرُ، وَهِيَ عَانِسٌ بَالِغٌ.

وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا تُزَوَّجُ حَيَاةَ الْأَبِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ إذَا قَطَعَ نَفَقَتَهُ عَنْهَا وَأَطَالَ غَيْبَتَهُ زُوِّجَتْ، وَإِنْ جَرَتْ عَلَيْهَا نَفَقَةُ الْأَبِ لَمْ تُزَوَّجْ إلَّا بِإِذْنِهِ وَلِأَبِي الْعَبَّاسِ الْإِبْيَانِيِّ فِي حَدِّ الْبُعْدِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَنْفُذُ فِيهِ حُكْمُ الِابْنَةِ، فَإِنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ يَنْفُذُ فِيهِ كُتُبُهُ لَمْ تُزَوَّجْ عَلَيْهِ.

قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: فَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ غَيْبَةَ الْأَبِ إذَا طَالَتْ وَانْقَطَعَ عَنْهَا أَضَرَّ ذَلِكَ بِهَا فَجَرَى مَجْرَى عَضْلِهَا، لَوْ كَانَ الْأَبُ حَاضِرًا وَعَضَلَهَا وَعُلِمَ أَنَّهُ يَقْصِدُ الْإِضْرَارَ بِهَا لَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ الْحَاكِمُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015