. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ عَدَمُ الرَّجْعَةِ لَا يَصِحُّ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا بِدُونِ الثَّلَاثِ حُمِلَ عَلَى الثَّلَاثِ وَلَمْ يُحْمَلْ قَوْلُهُ عَلَى وَاحِدَةٍ، وَإِنْ ادَّعَاهَا؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ لَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْوَاحِدَةِ فِي حَقِّ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا، فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ قَطْعَ الْعِصْمَةِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالثَّلَاثِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ طَلَاقًا لَا تَتَعَقَّبُهُ رَجْعَةٌ وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ الْعِصْمَةَ لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ أَظْهَرَ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ فِي قَطْعِ الْعِصْمَةِ حُمِلَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، فَإِنْ ادَّعَى نِيَّةً اُسْتُحْلِفَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ هَذَا اللَّفْظُ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ أَظْهَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَيَجِبُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ إذَا قَالَ فِي الْخُلْعِ: طَلَّقْتُك بَائِنَةً أَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ وَاحِدَةً فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَيُسْتَحْلَفُ عَلَى ذَلِكَ إنْ أَرَادَ ابْتِدَاءَ نِكَاحِهَا؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّجْعَةِ يُوجَدُ فِي طَلْقَةٍ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَهَذَا مُقْتَضَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْبَائِنِ، وَالْخَلِيَّةِ، وَالْبَرِيَّةِ، وَالْبَائِنُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْبَعِيدِ فَيُقَالُ بَانَ فُلَانٌ مِنْ ذَلِكَ وَيُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْإِبَانَةِ بِالْقَطْعِ يُقَالُ ضَرَبَهُ فَأَبَانَ يَدَهُ إذَا قَطَعَهَا فَلَمْ يَبْقَ شَيْئًا مِنْهَا، وَعَلَى أَيِّ الْوَجْهَيْنِ حَمَلْنَا الْبَيْنُونَةَ فِي الطَّلَاقِ اقْتَضَى ذَلِكَ إبْطَالَ الرَّجْعَةِ، وَالْمَنْعَ مِنْ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، وَذَلِكَ أَنَّ بُعْدَهَا عَنْهُ لَا يُرِيدُ بِهِ تَقَارُبَ أَجْسَامِهِمَا، إنَّمَا يُرِيدُ بِهِ بُعْدَهَا عَنْ عِصْمَتِهِ وَزَوْجِيَّتِهِ فَهُوَ أَظْهَرُ فِي انْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ، وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ بُعْدَهَا عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَنْ لَا تَكُونَ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ فَهِيَ قَرِيبٌ مِمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ مَعْنَاهُ الْقَطْعُ، فَإِنَّهُ أَيْضًا لَا يُوجَدُ هَذَا الْمَعْنَى إلَّا بِانْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ أَوْ بِانْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ، وَأَمَّا الرَّجْعِيَّةُ، فَإِنَّ الِاتِّصَالَ بَيْنَهُمَا مَوْجُودٌ، فَإِذَا أَبَانَهَا ثُمَّ ادَّعَى الرَّجْعِيَّةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ.

1 -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا مَنْ نَوَى الطَّلَاقَ وَلَمْ يَلْفِظْ بِشَيْءٍ جُمْلَةً فَلَا يَخْلُو أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ كِتَابَةٌ أَوْ إشَارَةٌ أَوْ لَا يَقْتَرِنَ بِهِ شَيْءٌ، فَإِنْ اقْتَرَنَتْ بِهِ كِتَابَةٌ، وَذَلِكَ أَنْ يَنْوِيَ إيقَاعَ الطَّلَاقِ بِكِتَابَةٍ، فَإِنَّهَا طَالِقٌ بِذَلِكَ. وَقَالَ عَطَاءٌ وَمَنْ كَتَبَ الطَّلَاقَ وَلَمْ يَلْفِظْ بِشَيْءٍ فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ

، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْكَلَامَ هُوَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ، وَإِظْهَارُهُ بِالْكِتَابَةِ كَإِظْهَارِهِ بِالنُّطْقِ كَلَفْظِهِ بِالتَّوْحِيدِ يَكْتُبُهُ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَلَامِ، فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِهِ.

(فَرْعٌ) : وَإِذَا كَتَبَ الطَّلَاقَ عَلَى غَيْرِ عَزْمٍ فَلَهُ تَرْكُهُ مَا لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ يَدِهِ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ عَنْ يَدِهِ عَلَى وَجْهِ الْإِرْسَالِ بِهِ إلَى الزَّوْجَةِ فَهُوَ إنْفَاذٌ لَهُ كَالْإِشْهَادِ بِهِ وَسَوَاءٌ كَتَبَ أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ إذَا جَاءَك كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَالَهُ مَالِكٌ.

(فَرْعٌ) : فَإِذَا كَتَبَ وَلَمْ يُشْهِدْ بِهِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ يَدِهِ، فَإِنَّ لَهُ رَدَّهُ وَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ إنْفَاذَ الطَّلَاقِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَكْتُبُهُ عَلَى وَجْهِ الِارْتِيَابِ فِيهِ أَوْ عَلَى وَجْهِ التَّهْدِيدِ فَيَحْلِفُ لَمَّا احْتَمَلَ أَنَّهُ لَمْ يَكْتُبْهُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الطَّلَاقِ.

1 -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ وَأَشَارَ بِهِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ.

(فَرْقٌ) : وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إظْهَارِهِ بِالْكِتَابَةِ أَوْ إظْهَارِهِ بِالنُّطْقِ سَوَاءٌ أَشَارَ بِيَدِهِ أَوْ رَأْسِهِ قَالَ مَالِكٌ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: 41] وَلِأَنَّ طَلَاقَ الْأَخْرَسِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ وَوَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْإِشَارَةَ عِبَارَةُ عَمَّا نَوَاهُ مِنْهُ كَالنُّطْقِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ كِتَابَةٌ وَلَا إشَارَةٌ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ مَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا عَلَى ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ، «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» ، وَهَذَا قَدْ نَوَى الطَّلَاقَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ، وَوَجْهٌ ثَانٍ، وَهُوَ أَنَّ أَلْفَاظَ الطَّلَاقِ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهَا طَلَاقًا لَا يَكُونُ طَلَاقًا، إنَّمَا يُوقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ صِدْقَهُ فِي أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الطَّلَاقَ فَنَحْمِلُهُ عَلَى مُقْتَضَى لَفْظِهِ.

وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ إذَا أَرَادَ بِهَا الطَّلَاقَ وَقَعَ بِهَا الطَّلَاقُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالنِّيَّةِ دُونَ اللَّفْظِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ النِّيَّةَ بِمُجَرَّدِهَا لَا تَقُومُ مَقَامَ الْقَوْلِ، وَالْعَمَلِ وَإِنْ افْتَقَرَ الْقَوْلُ، وَالْعَمَلُ إلَى نِيَّةٍ كَالصَّلَاةِ وَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَالْقِرَاءَةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015