. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْمُفْتِي، وَالنَّاظِرِ فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَفْعَلَهُ إذَا أَشْكَلَتْ عَلَيْهِ مَسْأَلَةٌ أَنْ يُشْخِصَ مَنْ نَزَلَتْ بِهِ وَيُسَائِلَهُ وَيُنَاجِيَهُ عَنْ فُصُولِهَا، وَالْمَعَانِي الَّتِي يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِهَا وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا، فَإِنَّهُ أَقْرَبُ لَهُ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ مِنْ قَوْلِهِ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى فَهْمِ مَسْأَلَةٍ أَوْ يَعِظَهُ لِيُقِرَّ بِجَمِيعِهَا وَلَا يَكْتُمَ شَيْئًا مِنْهَا وَلَعَلَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا وَقَّتَ لَهُ الْمَوْسِمَ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى الْقَاصِدِ فِي وُرُودِهِ وَانْصِرَافِهِ وَيُضِيفُ إلَى ذَلِكَ عَمَلَ الْحَجِّ وَتَحْصِيلَ عِبَادَةٍ فِي الْمَوْسِمِ إنْ تَيَسَّرَ ذَلِكَ لَهُ، وَلَوْ أَشْخَصَهُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَحْصُلُ لِمَنْ يَقْصِدُ مَكَّةَ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنَّهُ قَصَدَ الْمُبَالَغَةَ فِي وَعْظِهِ وَاسْتِخْبَارِ جَلِيَّةِ مَا عِنْدَهُ بِاسْتِحْلَافِهِ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ الْبَيْتِ لِمَا يَتَعَيَّنُ مِنْ تَعْظِيمِ الْمُسْلِمِينَ لَهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَبَيْنَمَا عُمَرُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ إذْ لَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ طَاعَةً لَهُ وَامْتِثَالًا لِأَمْرِهِ بِأَنْ يُوَافِيَهُ فِي الْمَوْسِمِ فَلَمَّا أَنْكَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَصْدَهُ إيَّاهُ بِالسَّلَامِ عَلَى وَجْهِ مَا يَفْعَلُهُ مِنْ قَصْدِهِ وَأَرَادَ مُكَالَمَتَهُ وَإِعْلَامَهُ بِنَفْسِهِ قَالَ لَهُ مَنْ أَنْتَ فَأَعْلَمَهُ بِأَنَّهُ الرَّجُلُ الَّذِي أَمَرَ أَنْ يُوَافِيَهُ فِي الْمَوْسِمِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَسْأَلُك بِرَبِّ هَذِهِ الْبَنِيَّةِ هَكَذَا رَوَاهُ قَوْمٌ الْبَنِيَّةَ، وَهُوَ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ مُبْتَنًى لَكِنَّهُ خَصَّ الْبَيْتَ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ كَمَا قَالَ وَرَبِّ هَذَا الْبِنَاءِ وَرُوِيَ بِرَبِّ هَذِهِ الْبَنِيَّةِ عَلَى مِثْلِ فَعَيْلَةَ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ الْبَنِيَّةُ الْكَعْبَةُ يُقَالُ لَا وَرَبِّ هَذِهِ الْبَنِيَّةِ مَا كَانَ كَذَا وَكَذَا وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا أَرَدْتَ بِقَوْلِكَ حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ لَمَّا عُلِمَ مِنْ تَعْظِيمِ الْمُسْلِمِينَ لِلْبَيْتِ وَصِدْقِ كَثِيرٍ مِمَّنْ يَسْتَبِيحُ الْكَذِبَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إذَا اُسْتُحْلِفَ فِيهِ فَقَالَ الرَّجُلُ: لَوْ اسْتَحْلَفْتنِي فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ مَا صَدَقْتُك إخْبَارٌ عَنْ تَعْظِيمِهِ لِلْقَسَمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَأَنَّهُ يَلْتَزِمُ مِنْ الْبِرِّ فِي حَلِفِهِ عِنْدَهُ مَا لَا يَلْتَزِمُ فِي غَيْرِهِ وَلَعَلَّهُ كَانَ يَمْنَعُهُ مِنْ صِدْقِهِ نَدَمُهُ عَلَى الطَّلَاقِ وَفَرْطِ مَحَبَّتِهِ لِمَنْ طَلَّقَ ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَرَدْت بِهَا الْفِرَاقَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هُوَ مَا أَرَدْتَ يُرِيدُ أَنَّهُ أَلْزَمَهُ الْفِرَاقُ وَحَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْحَدِيثِ مِقْدَارًا أَهُوَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ أَوْ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ لَا رَجْعَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ آخِرُ مَا بَقِيَ لَهُ فِيهَا أَوْ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ، وَلَفْظُ الْفُرْقَةِ عِنْدَ مَالِكٍ ثَلَاثٌ لَا يُنَوَّى فِي الْمَدْخُولِ بِهَا رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَعَسَى أَنْ تَكُونَ وَاحِدَةً، وَلَوْ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ يُنَوَّى مَا خَالَفْتُهُ.

وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ يَحْتَمِلُ مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ بَنَى بِهَا أَوْ لَمْ يَبْنِ فَهُوَ مُحْتَمِلٌ وَهُنَا يَقْتَضِي أَنَّهُ حَمَلَ قَوْلَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْفُرْقَةِ عَلَى أَنَّهَا وَاحِدَةٌ، وَقَوْلُ مَالِكٍ لَوْ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّهُ نَوَّاهُ مَا خَالَفْتُهُ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَقْتَضِيهِ هَذَا اللَّفْظُ، فَإِنْ كَانَ هَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِي عِنْدَهُ أَنْ يُنَوَّى لَمَا خَالَفَهُ الْعَرَبُ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تُخَالِفُ فِي اللُّغَةِ لَا سِيَّمَا مَعَ مَا يَقْتَرِنُ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَدِينِهِ وَفِقْهِهِ، وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِيهِ بَعْضُ الْإِشْكَالِ وَلَا يَتَرَجَّحُ بَيْنَ أَنْ يُنَوِّيَهُ أَوْ لَا يُنَوِّيَهُ وَيَتَرَجَّحُ عِنْدَهُ الْآنَ أَنَّهُ لَا يُنَوِّيهِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا فَلَوْ صَحَّ عِنْدَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَوَّاهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ الَّتِي قَدْ شَاعَتْ لَتَرَجَّحَ عِنْدَهُ هَذَا الْقَوْلُ وَظَاهِرُ قِصَّةِ عُمَرَ عِنْدِي يَقْتَضِي أَنَّهَا كَانَتْ فِيمَنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ فِيمَنْ كَانَ لَهُ فِيهَا جَمِيعُ الطَّلَاقِ فَأُلْزِمَ الثَّلَاثَ، وَذَلِكَ مُقْتَضَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: حَبْلُك عَلَى غَارِبِكِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَبْلَ هُوَ الَّذِي كَانَ بِيَدِ الزَّوْجِ مِنْهَا، وَذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ عِصْمَةِ الزَّوْجَةِ وَمِلْكِهِ لَهَا، فَإِذَا قَالَ لَهَا حَبْلُك عَلَى غَارِبِك فَقَدْ أَقَرَّ بِخُرُوجِهِ عَنْ يَدِهِ وَكَوْنَهُ بِيَدِهَا، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ طَلَاقُهُ لَا رَجْعَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ فِيهَا رَجْعَةٌ فَلَيْسَ حَبْلُهَا عَلَى غَارِبِهَا بَلْ هُوَ بِيَدِهِ وَيَرْتَجِعُهَا مَتَى شَاءَ وَخُرُوجُ الْمِلْكِ مِنْ يَدِ الزَّوْجِ حِينَ إيقَاعِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالثَّلَاثَةِ وَبِآخِرِ الطَّلَاقِ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015