. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى النِّكَاحِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] قُلْنَا مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَمْلِكُوا الْإِنْكَاحَ لَمَا أَمَرَهُمْ بِهِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ قَرَنَ ذِكْرَهُمْ بِذِكْرِ الْإِمَاءِ وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ لِلسَّيِّدِ إجْبَارَ أَمَتِهِ عَلَى النِّكَاحِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ بِمَنْزِلَتِهَا وَهَذَا مَذْهَبُ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ فِي اسْتِدْلَالِهِ بِالْقَرَائِنِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ مَنْ يَمْلِكُ رِقَّهُ يَمْلِكُ إجْبَارَهُ عَلَى النِّكَاحِ كَالْأَمَةِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ إذَا انْفَرَدَ بِمِلْكِ جَمِيعِهِ وَلَمْ يُرِدْ بِإِنْكَاحِهِ ذَلِكَ الْإِضْرَارَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهِ شَرِيكٌ أَوْ كَانَ بَعْضُهُ حُرًّا لَمْ يَمْلِكْ إجْبَارَهُ عَلَى النِّكَاحِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ انْتِزَاعَ مَالِهِ فَلَا يَمْلِكُ إنْكَاحَهُ كَالْحُرِّ.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ زَوَّجَهُ سَيِّدُهُ جَبْرًا مَلَكَ ارْتِجَاعَ زَوْجَتِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَبَاحَ لَهُ الْبُضْعَ بِالنِّكَاحِ أَوْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ فَقَدْ مَلَكَ جَمِيعَ أَحْكَامِهِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ كَمَا لَيْسَ لَهُ مِنْهُ مَنْعُهُ مِنْ الْوَطْءِ، وَالرَّجْعَةُ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ فَمَلَكَهَا الْعَبْدُ بِذَلِكَ.
(مَسْأَلَةٌ) :
لَا يُجْبَرُ السَّيِّدُ عَلَى إنْكَاحِ عَبْدِهِ وَلَا إنْكَاحِ أَمَتِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ يُجْبَرُ عَلَى نِكَاحِ عَبْدِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ مَحْضُ مِلْكِ رِقِّهِ فَإِذَا دَعَاهُ إلَى إنْكَاحِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ كَالْأَمَةِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَا يُجْبَرُ السَّيِّدُ عَلَى إنْكَاحِ مُكَاتَبِهِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ وَالْمُعْتَقُ إلَى أَجَلٍ وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهُ لِأَنَّ مَنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِالرِّقِّ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ الْمَالِكِ لِرِقِّهِ كَالْعَبْدِ الْقِنِّ.
أَمَّا فِي حُكْمِ عَقْدِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَتَجْوِيزِ السَّيِّدِ لَهُ وَفَسْخِهِ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَإِنْ تَزَوَّجَ بِإِذْنِهِ فَنِكَاحُهُ صَحِيحٌ وَإِنْ بَاشَرَ الْعَبْدُ الْعَقْدَ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَنْ يَصِحُّ عَقْدُهُ النِّكَاحَ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ فِي ذَلِكَ إذْنُ السَّيِّدِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِمَنَافِعِهِ وَمَالِهِ، وَإِنْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَإِنَّ لِلسَّيِّدِ فَسْخُهُ وَهَلْ لَهُ أَنْ يُجِيزَهُ؟ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ لَهُ إجَازَتَهُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الْفَرْجِ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إجَازَةُ السَّيِّدِ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ عَقْدٌ بَاشَرَهُ مَنْ يَصِحُّ عَقْدُهُ وَإِنَّمَا فِيهِ الْخِيَارُ لِلسَّيِّدِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِمَنَافِعِهِ وَمَالِهِ، وَالْخِيَارُ إذَا ثَبَتَ بِالشَّرْعِ دُونَ الشَّرْطِ لَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ النِّكَاحِ كَخِيَارِ الرَّدِّ بِالْعُنَّةِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَالْجُنُونِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ إنْكَاحُ الرَّجُلِ ابْنَةَ الْأَجْنَبِيِّ الْبِكْرَ إنْ أَجَازَ ذَلِكَ أَبُوهَا وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ نِكَاحَ الْعَبْدِ إنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى الْفَسْخِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَإِنْكَاحُ الرَّجُلِ ابْنَةَ الْأَجْنَبِيِّ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ فَلَا يَجُوزُ كَاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ.
(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّ لِلسَّيِّدِ الْفَسْخَ أَوْ الْإِجَازَةَ فَإِنْ أَرَادَ الْفَسْخَ فَإِنَّهُ يَكُونُ طَلَاقًا وَكَمْ طَلْقَةً يَمْلِكُ السَّيِّدُ مِنْ ذَلِكَ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ السَّيِّدَ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَلَيْهِ وَاحِدَةً أَوْ أَلْبَتَّةَ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا إلَّا طَلْقَةً وَاحِدَةً وَتَكُونُ تِلْكَ الطَّلْقَةُ بَائِنَةً، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ مَنْ كَانَ بِيَدِهِ إيقَاعُ الطَّلَاقِ بِالشَّرْعِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ إيقَاعَ الْوَاحِدَةِ وَالْبَتَّةِ كَالزَّوْجِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ إنَّمَا ثَبَتَ ذَلِكَ لِلسَّيِّدِ لِمَا أَدْخَلَ عَلَيْهِ النِّكَاحُ فِي عَبْدِهِ مِنْ الْعَيْبِ وَالطَّلْقَةُ الْوَاحِدَةُ الْبَائِنَةُ تُفْرِغُ لَهُ عَبْدَهُ وَتُزِيلُ عَنْهُ عَيْبَهُ فَلَا حَاجَةَ لَهُ إلَى أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ إيقَاعُهُ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
فَإِنْ عَلِمَ السَّيِّدُ بِنِكَاحِ عَبْدِهِ فَقَالَ لَا أُجِيزُ ثُمَّ أَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ الْإِجَازَةَ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَرِيبًا مِنْ مَجْلِسِهِ وَكَانَ كَلَامًا كَالْمُرَاجَعَةِ وَالْجَوَابِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَأَمَّا إنْ قَالَ لَا أُجِيزُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَيَّامٍ أَجَزْت فَلَا أَرَاهُ جَائِزًا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ كَانَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ لَا أُجِيزُ التَّفْرِيقَ فَإِنَّ هَذَا لَا تَكُونُ لَهُ الْإِجَازَةُ بَعْدَ الْفَسْخِ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ التَّوَقُّفَ فِي الْأَمْرِ