(ص) : (مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَبَلَغَهُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ إذَا نَكَحَ الْحُرُّ الْأَمَةَ فَمَسَّهَا فَقَدْ أَحْصَنَتْهُ قَالَ مَالِكٌ وَكُلُّ مَنْ أَدْرَكْتُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ تُحْصِنُ الْأَمَةُ الْحُرَّ إذَا نَكَحَهَا فَمَسَّهَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُزِيلُ عِصْمَتَهُ عَنْهَا فَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَذَهَبَ إلَى أَنَّ مَعْنَاهُ إلَّا مَنْ سَبَى جَارِيَةً لَهَا زَوْجٌ بِبَلَدِ الْحَرْبِ فَإِنَّهَا تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِأَنَّ السَّبْيَ يَفْسَخُ النِّكَاحَ فَاخْتَارَ لِذَلِكَ أَنَّ الْمُحْصَنَاتِ هُنَّ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَسَعْدٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرُهُمْ وَاخْتَارَ أَنَّهُ يُبَاحُ مِنْهُنَّ بِمِلْكِ الْيَمِينِ الْمَسْبِيَّاتُ وَلَمْ يَنْقُلْ مَالِكٌ مِنْ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ طَلَاقُهَا لَمَّا لَمْ يَرَ ذَلِكَ وَأَنَّ الصَّوَابَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ لَا يُؤَثِّرُ فِي نِكَاحِهَا فُرْقَةً وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ فِي «حَدِيثِ بَرِيرَةَ إنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - اشْتَرَتْهَا وَأَعْتَقَتْهَا فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَلَوْ كَانَ بَيْعُهَا يَفْسَخُ نِكَاحَهَا لَمَا خَيَّرَهَا.
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا قَوْلُ عَطَاءَ وَطَاوُسٍ أَنَّ الْمُحْصَنَاتِ هُنَّ جَمَاعَةُ النِّسَاءِ وَقَوْلُهُمَا إنَّ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] إلَّا مَا أُحِلَّ لَكُمْ مِنْ التَّزْوِيجِ وَقَوْلُ الْقَاضِي أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُمَا لَمْ يَبْلُغَا نِهَايَةَ التَّفْسِيرِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُمَا قَصَّرَا فِي النَّظَرِ وَلَمْ يَسْتَوْعِبَا اسْتِيعَابًا يَصِلَانِ بِهِ إلَى الصَّوَابِ وَخَالَفَهُمَا فِي مَوْضِعَيْنِ فِي قَوْلِهِمَا إنَّ الْمُحْصَنَاتِ هُنَّ جَمَاعَةُ النِّسَاءِ وَفِي قَوْلِهِمْ إنَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ الزَّوْجَاتُ وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَوَابٌ عِنْدِي لِأَنَّ لَفْظَ الْمُحْصَنَاتِ لَا يَقَعُ عَلَى النِّسَاءِ وَإِنَّمَا يَقَعُ عَلَى نَوْعِ مِلْكٍ أَوْ أَنْوَاعٍ وَسَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُحْصَنَاتِ لَا يَقَعُ عَلَى جَمَاعَةِ النِّسَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24] وَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُحْصَنَاتِ بَعْضُ النِّسَاءِ وَلَا تُحْمَلُ (مِنْ) عَلَى أَنَّهَا زَائِدَةٌ لِأَنَّ سِيبَوَيْهِ قَالَ لَا تَكُونُ زَائِدَةً إلَّا فِي النَّفْيِ فِي قَوْلِهِمْ مَا جَاءَنِي مِنْ أَحَدٍ وَإِنْ سَلَّمْنَا كَوْنَهَا زَائِدَةً فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا لِلتَّبْعِيضِ أَوْ لِلْجِنْسِ وَهُوَ يَعُودُ إلَى مَعْنَى التَّبْعِيضِ فَلَا يُعْدَلُ إلَى أَنَّهَا زَائِدَةٌ إلَّا بِدَلِيلٍ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُحْصَنَاتِ لَا يُرَادُ بِهِ جَمَاعَةُ النِّسَاءِ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [النساء: 24] وَإِذَا كَانَ الْمُحْصَنَاتُ جَمَاعَةَ النِّسَاءِ لَمْ يَبْقَ وَرَاءَهُنَّ مِنْ مُبَاحٍ فَثَبَتَ أَنَّ الْمُحْصَنَاتِ نَوْعٌ مِنْ النِّسَاءِ فَعَلَّقَ التَّحْرِيمَ بِهِنَّ وَأَحَلَّ غَيْرَهُنَّ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَسَائِرَ أَنْوَاعِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَمَا يَحْرُمُ بِالْمُصَاهَرَةِ وَهُنَّ مِنْ النِّسَاءِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ نَوْعًا مِنْ النِّسَاءِ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُهُ، وَعَطَفَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُحْصَنَاتِ جَمَاعَةُ النِّسَاءِ وَثَبَتَ هَذَا بِلُغَةٍ أَوْ شَرْعٍ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مُخَالَفَةٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ لِأَنَّهُ يَكُونُ مَعْنَاهُ وَالنِّسَاءُ مُحَرَّمَاتٌ عَلَى الرِّجَالِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ بِالنِّكَاحِ وَمِلْكِ الرَّقَبَةِ وَهَذَا وَجْهٌ صَحِيحٌ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءَ وَطَاوُسٍ زَوْجَتُك مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُكَ.
وَقَدْ قَالَ عُبَيْدَةُ السَّلْمَانِيُّ إنَّ الْمُحْصَنَاتِ الْمَذْكُورَاتِ فِي الْآيَةِ هُنَّ مَا زَادَ عَلَى الْأَزْوَاجِ وَأَبَاحَ الْأَرْبَعَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وَاسْتَثْنَى مِنْ الزَّائِدِ عَلَى الْأَرْبَعِ مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَرَجَعَ ذَلِكَ إلَى أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الزِّنَا وَرَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَكُونُ إحْصَانٌ بِزِنًا وَلَا يَكُونُ إلَّا بِنِكَاحٍ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ ذِكْرٌ لِلزِّنَا وَلَا سِيَّمَا عَلَى تَأْوِيلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُحْصَنَاتِ إذَا كُنَّ ذَوَاتِ أَزْوَاجٍ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْعَقِدَ عَلَيْهِنَّ عَقْدُ نِكَاحٍ فَإِنَّمَا يَتَوَجَّهُ التَّحْرِيمُ إلَى الْوَطْءِ دُونَ الْعَقْدِ وَذَلِكَ زِنًا إلَّا بِمِلْكِ الْيَمِينِ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ، وَمَا قُلْنَا أَوَّلًا مِنْ اخْتِيَارِ الْقَاضِي أَبِي إِسْحَاقَ أَظْهَرُ مَا قُلْنَاهُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(ش) : قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ إذَا تَزَوَّجَ الْحُرُّ