النَّهْيُ عَنْ نِكَاحِ إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا يَحِلُّ نِكَاحَ أَمَةٍ يَهُودِيَّةٍ وَلَا نَصْرَانِيَّةٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] فَهُنَّ الْحَرَائِرُ مِنْ الْيَهُودِيَّاتِ وَالنَّصْرَانِيَّات.
وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ) فَهُنَّ الْإِمَاءُ الْمُؤْمِنَاتُ قَالَ مَالِكٌ فَإِنَّمَا أَحَلَّ اللَّهُ فِيمَا نَرَى نِكَاحَ الْإِمَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ وَلَمْ يُحَلِّلْ نِكَاحَ إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْقَصْدِ إلَيْهِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْوَطْءِ إلَّا الْعَجْزُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ مَرْوَانَ قَدْ رَأَيْت سَاقَهَا مُنْكَشِفًا يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ رَآهُ مَكْشُوفًا انْكَشَفَ عَنْهُ الثَّوْبُ وَلَعَلَّهُ قَصَدَ اللَّذَّةَ وَالِاسْتِمْتَاعَ بِالنَّظَرِ إلَى ذَلِكَ مِنْهَا فَحَرُمَتْ بِذَلِكَ عَلَى ابْنِهِ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ وَأَرَادَ التَّنَاهِيَ فِي الْوَرَعِ وَالتَّوَقُّفَ عَمَّا فِيهِ بَعْضِ الشُّبْهَةِ عِنْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكُمُ.
[النَّهْيُ عَنْ نِكَاحِ إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ]
(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا يَحِلُّ نِكَاحُ أَمَةٍ يَهُودِيَّةٍ وَلَا نَصْرَانِيَّةٍ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَعَامَّةُ الْفُقَهَاءِ غَيْرَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ بِجَوَازِ ذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] وَهَذَا عَامٌ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْمُشْرِكَاتِ يَتَنَاوَلُ الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ أَنَّ مَعْنَى الشِّرْكِ الْإِشْرَاكُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَمَنْ جَعَلَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ابْنًا لِلَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَهُ مَعَهُ وَبِذَلِكَ تَعَلَّقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بِعُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي الْمَنْعِ مِنْ نِكَاحِ الْحَرَائِرِ الْكِتَابِيَّاتِ.
وَقَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا أَعْلَمُ شِرْكًا أَعْظَمُ مِمَّنْ جَعَلَ لِلَّهِ صَاحِبَةً وَوَلَدًا، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ} [التوبة: 30] إلَى قَوْلِهِ {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31] ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ امْرَأَةٌ اجْتَمَعَ فِيهَا نَقْصَانِ مُؤَثِّرَانِ فِي مَنْعِ النِّكَاحِ فَلَمْ يَجُزْ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا كَالْحُرَّةِ الْمَجُوسِيَّةِ اجْتَمَعَ فِيهَا نَقْصُ الْكُفْرِ وَنَقْصُ عَدَمِ الْكِتَابِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ هَذَا لِحُرٍّ وَلَا لِعَبْدٍ فَلَوْ أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يُزَوِّجَ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ مِنْ أَمَةٍ نَصْرَانِيَّةٍ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ الْمَوَّازِ لَا يَحِلُّ ذَلِكَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا نَقْصٌ مِنْ جِهَةِ الدِّينِ يَمْنَعُ نِكَاحَ الْحُرِّ فَمَنَعَ نِكَاحَ الْمَجُوسِيَّةِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَمَنْ كَانَ تَحْتَهُ مِنْ النَّصَارَى أَمَةٌ نَصْرَانِيَّةٌ فَأَسْلَمَ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُفَارِقُهَا وَعَنْ أَشْهَبَ لَا يُفَارِقُهَا وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ مَعْنًى يُنَافِي ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ فَوَجَبَ أَنْ يُنَافِيَ اسْتِدَامَتَهُ كَالْأُخُوَّةِ وَالْأُمُومَةِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي قَوْلِ أَشْهَبَ لَعَلَّهُ يُرِيدُ إنْ أُعْتِقَتْ أَوْ أَسْلَمَتْ لِأَنَّهُ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ عَنْ أَشْهَبَ بَعْدَ هَذَا مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] فَهُنَّ الْحَرَائِرُ مِنْ الْيَهُودِيَّاتِ وَالنَّصْرَانِيَّات يُرِيدُ أَنَّ الْإِبَاحَةَ إنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِالْحَرَائِرِ خَاصَّةً دُونَ الْإِمَاءِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ عَامٌّ فِي كُلِّ مُشْرِكَةٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] ثُمَّ خَصَّ هَذَا الْحُكْمَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] فَهُنَّ الْحَرَائِرُ فَأَبَاحَ تَعَالَى نِكَاحَ حَرَائِرِهِنَّ وَعَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ وَقَالُوا الْآيَةُ مُخَصَّصَةٌ بِعُمُومِ الْآيَةِ الْمَانِعَةِ وَقَدْ تَزَوَّجَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ أَهْلَ الْكِتَابِ مِنْهُمْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مَنَعَهُ غَيْرَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتَعَلَّقَ فِيهِ بِعُمُومِ الْآيَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ كَرِهَهُ مَالِكٌ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ رَوَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِأَنِّي لَا أَرَى أَنْ يَضَعَ