صَحَلٌ، أَحْوَرُ أَكْحَلُ أَزَجُّ، أَقْرَنُ شَدِيدَ سَوَادِ الشَّعْرِ، فِي عُنُقِهِ سَطَعٌ، وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَافَةٌ، إِذَا صَمَتَ فَعَلَيْهِ وَقَارٌ، وَإِذَا تَكَلَّمَ سَمَا وَعَلاهُ الْبَهَاءُ، كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خُرْزَاتُ نَظْمٍ يَتَحَدَّرْنَ، حُلْوُ الْمَنْطِقُ، [فصل] [1] ، لا نِزْرٌ بِهِ وَلا هَذَرٌ [2] ، أَجْهَرُ النَّاسِ وَأَجْمَلُهُ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَحْلاهُ وَأَحْسَنُهُ مِنْ قَرِيبٍ، رَبْعَةٌ لا تَشْنَؤُهُ عَيْنٌ [3] مِنْ طُولٍ، وَلا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ، غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ، وَهُوَ أَنْضَرُ [4] الثَّلاثَةِ مَنْظَرًا وَأَحْسَنُهُمْ قَدْرًا [5] ، لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ، إِذَا قال استمعوا لقوله، وإن أمر تبادروا لأَمْرِهِ [6] ، مَحْفُودٌ مَحْمُودٌ مَحْشُودٌ [7] ، لا عَابِسٌ وَلا مُفْنِدٍ.
قَالَ: هَذَا وَاللَّهِ صَاحِبُ قُرَيْشٍ الَّذِي ذكر لَنَا مِنْ أَمْرِهِ مَا ذكر، وَلَوْ كُنْتُ وَافَقْتُهُ [يَا أُمَّ مَعْبَدٍ] [8] لالْتَمَسْتُ أَنْ أَصْحَبَهُ، وَلأَفْعَلَنَّ إِنْ وَجَدْتُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلا. وَأَصْبَحَ صَوْتٌ [بِمَكَّةَ] [9] عَالِيًا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، يَسْمَعُونَهُ وَلا يَرَوْنَ مَنْ يَقُولُهُ، وَهُوَ يَقُولُ:
جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين حَلا خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدِ
هُمَا نَزَلا بِالْبِرِّ وَارْتَحَلا بِهِ ... فَأَفْلَحَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدِ
فَيَالَ قُصَيٍّ مَا زَوَى اللَّهُ عَنْكُمُ ... بِهِ مِنَ فِعَالٍ لا تُجَازَى وَسُؤْدُدِ
سَلُوا أُخْتَكُمْ عَنْ شَاتِهَا وَإِنَائِهَا ... فَإِنَّكُمُ إِنْ تَسْأَلُوا الشَّاةَ تَشْهَدِ
دَعَاهَا بِشَاةٍ حَائِلٍ فَتَحَلَّبَتْ ... لَهُ بِصَرِيحٍ ضرّة الشاة مزبد