وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ. فَقَالَ بَطَارِقَتُهُ: صَدَقُوا فَأَسْلِمْهِمْ إِلَيْهِمَا. فَغَضِبَ النَّجَاشِيُّ وَقَالَ: لا وَايْمُ اللَّهِ، إِذَنْ لا أُسْلِمُهُمْ إِلَيْهِمَا وَلا أُكَادُّ قوما جاورني وَنَزَلُوا بِلادِي وَاخْتَارُونِي عَلَى مَنْ سِوَايَ حَتَّى أَدْعُوَهُمْ فَأَسْأَلَهُمْ مَا يَقُولُ هَذَانِ فِي أَمْرِهِمْ، فَإِنْ كَانُوا كَمَا يَقُولانِ سَلَّمْتُهُمْ إِلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مَنَعْتُهُمْ مِنْهُمْ وَأَحْسَنْتُ جِوَارَهُمْ مَا جَاوَرُونِي.
ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أَصْحَابِ رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فَدَعَاهُمْ] [1] فَلَمَّا أَنْ جَاءَهُمْ رَسُولُهُ اجْتَمَعُوا، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا تَقُولُونَ لِلرَّجُلِ إِذَا جِئْتُمُوهُ؟ فَقَالُوا: نَقُولُ وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَا وَمَا أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كَائِنٌ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَمَّا جاءوه وقد دعي النَّجَاشِيُّ أَسَاقِفَتَهُ فَنَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ حَوْلَهُ سَأَلَهُمْ، فَقَالَ: مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ وَلَمْ تَدْخُلُوا فِي دِينِي وَلا فِي دِينٍ آخَرَ مِنْ هَذِهِ الأُمَمِ؟ قَالَتْ: وَكَانَ الَّذِي كَلَّمَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. فَقَالَ لَهُ:
أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، وَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى [2] إِلَيْنَا رسولا منا نعرف صدقه وأمانته وَعَفَافَهُ فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاءُنَا [3] مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ: الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ، وَأَمَرَنَا: أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ لا نُشْرِكَ بِهِ شيئا وأمرنا بالصلاة والزكاة وَالصِّيَامِ، فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَنَا بِهِ [4] فَعَبَدْنَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ، فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْنَا، وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا، فَعَدَى عَلَيْنَا قَوْمُنَا فَعَذَّبُونَا وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا لِيَرُدُّونَا إلى عبادة الأوثان، وأن يستحل مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الْخَبَائِثِ، فَلَمَّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا وَشَقُّوا عَلَيْنَا، وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا خَرَجْنَا إِلَى بِلادِكَ وَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ، وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ، وَرَجَوْنَا أَنْ لَا نُظْلَمَ عندك أيها الملك. قالت: فَقَالَ [5] لَهُمُ النَّجَاشِيُّ: هَلْ مَعَكَ مِمَّا جَاءَ