بِتَقْوَى اللَّهِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ، فَإِنَّهَا لا يَبْلَى عَلَيْهَا أَصْلٌ، وَلا يَهِيضُ عَلَيْهَا [1] فَرْعٌ، وَإِيَّاكُمْ وَنِكَاحَ الْحَمْقَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ سُوءَ جَهْلِ الْغَنِيِّ يُورِثُ سَرْحًا، وَأَنَّ سُوءَ جَهْلِ الْفَقِيرِ يَضَعُ الشَّرَفَ، وَأَنَّ الْعُدْمَ عُدْمُ الْعَقْلِ لا عُدْمُ الْمَالِ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَهْلِكَ امْرُؤٌ عَرَفَ قَدْرَهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ مَقْتَلَ الرَّجُلِ بَيْنَ لِحْيَيْهِ، وَأَنَّ قَوْلَ الْحَقِّ لَمْ يَتْرُكْ لِي صَدِيقًا.
وذكر أَبُو هلال الحسن بْن عَبْد اللَّه بْن سهل العسكري: أن أكثم بْن صيفي سمع بذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتب إليه مع ابنه حبيش [: باسمك اللَّهمّ، من العَبْد إِلَى العَبْد، أما بعد: فبلغنا ما بلغك اللَّه، فقد بلغنا عنك خير، فإن كنت أريت فأرنا، وإن كنت علمت فعلمنا وأشركنا فِي خيرك والسلام.
فكتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم: «من محمد رسول الله إِلَى أكثم بْن صيفي، أحمد اللَّه إليك، إن اللَّه أمرني أن أقول لا إله إلا اللَّه وليقر بها الناس، والخلق خلق الله، والأمر كله للَّه، وهو خلقهم وأماتهم، وهو ينشرهم وإليه المصير. بادابه المرسلين ولتسلن عن النبأ العظيم، ولتعلمن نبأه بعد حين] [2] .
فَقَالَ لابنه: ما رأيت منه، قَالَ: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وينهى عَنْ ملائمها.
[فجمع أكثم بني تميم، وَقَالَ: لا تحقرن سفيها، فإن من يسمع يخل، وإن من يخل ينظر وإن السفيه واهي الرأي وإن كان قوي البدن، ولا خير فيمن عجز رأيه ونقص عقله.
فلما اجتمعوا دعاهم إِلَى اتباع رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ مالك بْن عروة اليربوعي مع نفر من بني يربوع فَقَالَ: خرف شيخكم، إنه ليدعوكم إِلَى الغبار، ويعرضكم للبلاء، وأن تجيبوه تفرق جماعتكم وتظهر أضغاثكم، ويذلل عزكم، مهلا مهلا. فَقَالَ أكثم بْن صيفي: ويل للشجي من الخلي، يا لهف نفسي عَلَى أمر لم أدركه ولم يفتني ما آسى عليك بل عَلَى العامة، يا مالك إن الحق إذا قام دفع الباطل وصرع صرعى قياما، فتبعه مائة من عمرو وحنظلة، وخرج إِلَى النبي صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، فلما كان فِي بعض الطريق] [3] عمد