فلما تتابعت عَلَيْهِ هَذِهِ الأحلام قصها عَلَى عظماء الروم وذوي الرأي منهم فأشاروا عَلَيْهِ أن يغزوه، فاستعد هرقل واستخلف ابنا له عَلَى مدينة قسطنطينية، فسار حَتَّى أوغل [1] فِي بلاد أرمينية ونزل نصيبين بعد سنة، فلما بلغ كسرى نزول هرقل فِي جنوده بنصيبين وجّه لمحاربته رجلا من قواده يقال له: راهزار فِي اثني عشر ألف فارس، وأمره [2] أن يقيم بنينوى فِي مدينة [3] الموصل عَلَى شاطئ دجلة، ويمنع الروم أن تجوزها، فنفذ راهزار لأمر كسرى وعسكر حيث أمره، فقطع هرقل دجلة فِي موضع آخر إِلَى الناحية التي كان فيها جند فارس [4] ، فأذكى راهزار عَلَيْهِ العيون، وأخبروه أنه فِي سبعين ألفا وأيقن بالعجز عنه، فكتب إِلَى كسرى يخبره بعجزه، وكتب كسرى: إنكم إن عجزتم عَنِ الروم لم تعجزوا عَنْ بذل دمائكم فِي طاعتي، فناهض الروم، فقتل ومعه ستة آلاف رجل وانهزم الباقون، فبلغ ذلك كسرى فتهيأ [5] وتحصن بالمدائن لعجزه، وسار هرقل حَتَّى قارب المدائن، فلما استعد [6] كسرى لقتاله انصرف إِلَى أرض الروم [7] .

قَالَ عكرمة [8] : كانت فِي فارس امرأة لا تلد إلا الأبطال، فدعاها كسرى، فَقَالَ:

إني أريد أن أبعث إِلَى الروم جيشا وأستعمل عليهم رجلا من بنيك فأشيري علي أيهم أستعمل. فقالت: هَذَا فرخان أنفذ من سنان، وهذا شهربراز [9] أحلم من كذا. قَالَ:

فإني قد استعملت الحليم، فاستعمل شهربراز، فسار إِلَى الروم بأرض فارس وظهر عليهم، فقتلهم وخرب مدائنهم، وقطع زيتونهم.

فلما ظهرت فارس [عَلَى الروم] [10] جلس فرخان يشرب، فَقَالَ لأصحابه: رأيت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015