محزونا [1] ، فقيل لأبيه، فَقَالَ: انشروا [2] عَلَيْهِ كل لهو وباطل حَتَّى تنزعوا [3] من قلبه هَذَا الحزن والغم.
فلبث حولا، ثم قَالَ: أخرجوني، فأخرج عَلَى مثل حاله الأول، فبينا هو يسير إذا هو برجل قد أصابه الهرم ولعابه يسيل من فيه، فَقَالَ: ما هَذَا؟ قالوا: رجل قد هرم، قَالَ: يصيب ناسا دون ناس، أو كل خائف له إن هو عمر؟ قالوا: كل خائف [له] [4] ، قَالَ: أف لعيشكم هَذَا، [هَذَا] [5] عيش لا يصفو [لأحد] [6] . فأخبر بذلك أبوه، فَقَالَ:
احشروا عَلَيْهِ كل لهو وباطل. فحشروا عَلَيْهِ.
فمكث حولا ثم ركب عَلَى مثل حاله. فبينا [7] هو يسير إذا هو بسرير تحمله الرجال عَلَى عواتقها، فَقَالَ: ما هَذَا؟ قالوا: رجل مات، قَالَ لهم: وما الموت؟ ائتوني به، فأتوه به، فَقَالَ: أجلسوه، فقالوا: إنه لا يجلس، قَالَ: كلموه، قالوا: إنه لا يتكلم. قَالَ:
فأين تذهبون به، قالوا: ندفنه تحت الثرى، قَالَ: فيكون ماذا بعد هَذَا؟ قالوا: الحشر، قَالَ: وما الحشر؟ قالوا: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ 83: 6 [8] حفاة عراة مكشفي الرءوس [9] ، فيجزى كل واحد عَلَى قدر حسناته وسيئاته، قَالَ: ولكم دار غير هَذِهِ تجازون فيها؟ قالوا: نعم، فرمى بنفسه من الفرس وجعل يعفر وجهه فِي التراب وَقَالَ لهم: من هَذَا كنت أخشى، كاد هَذَا يأتي علي [10] ، وأنا لا أعلم به، أما ورب من يعطي ويحشر ويجازي، إن هَذَا آخر الدهر [11] بيني وبينكم، فلا سبيل لكم علي بعد هَذَا اليوم، فقالوا: لا ندعك حتى نردّك إلى أبيك.