ديوان المُقَاتِلة، فاستعرض العسكر ولم ير كسرى فيهم. فقال: انصرفوا، فاستعرضهم في اليوم التالي فلم ير كسرى فيهم، فَقَالَ: انصرفوا، وأمر مناديهم، فنادوا في اليوم الثالث: لا يتخلفن أحد، ولا [1] من أكرم بتاج وسرير. فبلغ ذلك كسرى، فوضع تاجه، وتسلح بسلاح المُقَاتِلة، ثُمَّ أتى بابك ليعرض عَلَيْهِ، وكان الفارس يؤخذ بالسلاح التام، فجاء كسرى بسلاح يعوزه شَيْء يسير، فَقَالَ: أيها الملك، إنك واقف مقام المعدلة [2] التي لا محاباة فيها، فهلم كلما يلزمك من الأسلحة. ففعل، فلما قام بابك إِلَى كسرى قَالَ: إن غلظتي فِي الأمر الذي أغلظت فيه اليوم عليك، إنما كان لينفذ أمري الذي وضعتني له.
فَقَالَ كسرى: ما غلظ علينا [3] أمر أريد به تدبر صلاح [4] رعيتنا.
قالوا: ولم يكن ببلاد الفرس بنات آوى فتساقط إليها من بلاد الترك فِي زمان كسرى، فشق عَلَى كسرى، وسأل موبدان عَنْ ذلك، فَقَالَ: متى تغير عدل بجور تساقط إِلَى أرباب ذلك ما يكرهون. فأمر كسرى عماله أن لا يتعدوا العدل [5] .
ومن الحوادث [6] في زمن كسرى [أنوشروان] [7] : أنه غضب عَلَى وزيره بزرجمهر فقبض عَلَيْهِ وَقَالَ: الحمد للَّه الذي أظفرني بك. فَقَالَ له: فكافئه بما يحب كما أعطاك ما تحب. قَالَ: بماذا؟ قَالَ: بالعفو فحبسه فِي بيت كالقبر، وصفده/ بالحديد، وألبسه الخشن من الصوف، وأمر أن لا يزاد فِي كل يوم عَلَى قرصين من الخبز، وكف ملح جريش، ودورق ماء، وأن تنقل ألفاظه إليه، فأقام شهورا لا يسمع له لفظة، فَقَالَ أنوشروان: أدخلوا عَلَيْهِ أصحابه، ومروهم أن يسألوه ويفاتحوه الكلام وعرفونيه.
فدخل عَلَيْهِ جماعة من المختصين به، فقالوا له: أيها الحكيم، نراك فِي هذا