قبيصة بْن مُحَمَّد المهلبي قَالَ: أخبرني اليمان بْن عمرو- مولى ذي الرئاستين- قَالَ [1] :
كان ذو الرئاستين يبعثني ويبعث [2] أحداثا من أحداثه [3] إِلَى شيخ بخراسان له أدب وحسن معرفة بالأمور، ويقول لنا: تعلموا منه الحكمة، فإنه حكيم، فكنا نأتيه، فإذا انصرفنا من عنده سألنا ذو الرئاستين، فاعترض [4] ما حفظناه فنخبره به [5] ، فصرنا ذات يوم إِلَى الشيخ فَقَالَ لنا: أنتم أدباء، وقد سمعتم الحكمة، ولكم جدات ونعم، فهل فيكم [6] عاشق؟ فقلنا: لا. فَقَالَ: اعشقوا فإن العشق مطلق اللسان العي، ويفتح حيلة البليد والمختل [7] ، ويبعث عَلَى التنظف وتحسين الثياب، وتطييب المطعم، ويدعو إِلَى الحركة والذكاء وشرف الهمة، وإياكم والحرام.
فانصرفنا من عنده إِلَى ذي الرئاستين، فسألنا عما أفدنا يومنا ذلك [8] ، فهبنا أن نخبره، فعزم علينا، فقلنا له إنه أمرنا بكذا وكذا، وَقَالَ لنا كذا وكذا. قَالَ: صدق والله، تعلمون من أين أخذ هَذَا؟ قلنا: لا. قَالَ ذو الرئاستين: إن بهرام جور كان له ابن، وكان قد رسمه للأمر بعده، فنشأ الفتى ناقص الهمة، ساقط المروءة، خامل النفس، سيئ الأدب، فغمه ذلك، فوكل [9] به المؤدبين والحكماء ومن يلازمه ويعلمه، وكان يسألهم عنه فيحكون [10] ما يغمه من سوء فهمه وقلة أدبه، إِلَى أن سأل بعض مؤدبيه يوما فَقَالَ له المؤدب: قد/ كنا نخاف سوء أدبه فحدث من أمره ما صرنا إِلَى اليأس من صلاحه.