سنة تسع وسبعين بلغني حياة [أبي أحمد] العسكري فقصدته، فقرأت عليه فوصل فخر الدولة والصاحب ابن عباد، فبينا نحن جلوس نقرأ عليه، وصل إليه ركابي ومعه رقعة ففضها وقرأها وكتب على ظهرها، جوابها فقلت له: أيها الشيخ ما هذه الرقعة؟ فقال رقعة الصاحب كتب إليَّ:
ولما أبيتم أن تزوروا وقلتُمُ ... ضعفنا فما نقوى على الوخدان
أتيناكُمُ مِنْ بُعْدِ أَرْضٍ نَزُورَكُمْ ... فكم منزل بكر لنا وعوان
نناشدكم هل من قرى لنزيلكم ... بطول جوار لا بملء جفان
قلت فما كتبت في جوابه؟ قال كتبت:
أروم نهوضا ثم يثنى عزيمتي ... قعود وأعضائي من الرجفان
فضمنت بنت ابن الرشيد كأنما ... تعمد تشبيهي به وعناني
أهم بأمر الحزم لو أستطيعه ... وقد حيل بين العنز والنزوان
ثم نهض وقال: لا بد من الحمل على النفس فان الصاحب لا يقنعه هذا. فركب بغلة فلم يتمكن من الوصول إلى الصاحب لاستيلاء الخيم، فصعد تلعةً فرفع صوته بقول أبي تمام.
ما لي أرى القبة الفيحاء مقفلة ... دوني وقد طال ما استفتحت مقفلها
كأنها جنة الفردوس معرضة ... وليس لي عملُ زاك فادخلها
قال: فناداه الصاحب أدخلها أبا أحمد فلك السابقة الأولي فتبادر أصحابه إليه فحملوه حتى جلس بين يديه فسأله عن مسألة، فقال أبو أحمد! الخبير صادفت. فقال الصاحب: يا أبا أحمد تغرب في كل شيء حتى في المثل، فقال: تفاءلته عن السقوط بحضرة مولانا، وإنما كلام العرب على الخبير سقطت. توفي أبو أحمد يوم التروية من هذه السنة.
سكن بغداد، وحدَّث عَنْ البَغَوَيّ، وابن صاعد. والمحاملي. روى عَنْهُ الخلال،