يكفيه من سكر [الشراب] [1] ، واعلموا أنه ليس للملك أن يكذب لأنه لا يقدر أحد عَلَى استكراهه، وليس له أن يغضب، لأن الغضب والعداوة لقاح الشر والندامة، وليس له أن يلعب، لأن اللعب من عمل الفراغ، وليس له أن يحسد إلا ملوك الأمم عَلَى حسن التدبير، واعلموا أنه لكل ملك بطانة، ولكل رجل من بطانته بطانة، ثم لكل امرئ من بطانة البطانة بطانة حتى يجمع في ذلك أهل المملكة، فإذا أقام الملك بطانته عَلَى حال الصواب أقام كل آمر منهم بطانته عَلَى ذلك، حَتَّى يجتمع عَلَى الصلاح عامة الرعية، واعلموا أن الملك قد تهون عَلَيْهِ العيوب لأنه لا/ يستقل بها حَتَّى يرى الناس يتكاتمونها، وهذا من الأبواب الداعية إِلَى طاعة الهوى، فاحذروا [2] إفشاء السر عند صغار أهاليكم وخدمكم [3] ، واعلموا أن الملك ورعيته جميعا يحق عليهم أن لا يكون للفراغ عندهم موضع، فإن التضييع فِي فراغ الملك، وفساد المملكة فِي فراغ الرعية.
فلما هلك أردشير قام بملك فارس بعده ابنه سابور فقسم الأموال، وبان فضل سيرته وغزا البلدان، فكان بجبال تكريت بين دجلة والفرات مدينة يقال لها: الحضر، وبها رجل يقال له: الساطرون، وهو الذي يقول فيه أَبُو داود الأبادي [4] :
وأرى الموت قد تدلى من الحضر ... عَلَى رب أهله الساطرون
[5] والعرب تسميه: الضيزن، فرحل سابور، وأقام عَلَى ذلك الحضر أربع سنين، وتحصن الضيزن فِي الحصن، فلم يقدر عَلَيْهِ، فخرجت بنت الضيزن- ويقال لها:
النضيرة- إِلَى ربض [6] المدينة، وكانت من أجمل نساء [7] زمانها، وكان سابور من