فانصرفت عما كانت أجمعت عَلَيْهِ من غزو جذيمة، وأتت أمرها من وجه [1] الخداع والمكر. فكتبت إِلَى جذيمة تدعوه إِلَى نفسها وملكها، وأن يصل بلاده ببلادها، وكان فيما كتبت إليه: أنها لم تجد ملك النساء إلا قبح فِي [2] السماع، وضعف السلطان، وقلة ضبط المملكة، وإنها لم تجد لملكها موضعا [3] ولا لنفسها كفئا غيره، فاجمع ملكي إِلَى ملكك، وصل بلادي ببلادك، وتقلد أمري مع أمرك.
فلما انتهى كتاب الزباء/ إِلَى جذيمة استخفه ما دعته إليه، ورغب فيما أطمعته فيه، وجمع إليه أهل [الحجي] [4] والنهى، من ثقات أصحابه، وهو بالبقة من شاطئ الفرات، فعرض عليهم ما دعته إليه الزباء، واستشارهم، فأجمع رأيهم عَلَى أن يسير إليها، ويستولي عَلَى ملكها، وكان فيهم رجل يقال له: قصير بْن سعد بْن عمرو، وكان سعد قد تزوج أمة لجذيمة، فولدت له قصيرا، وكان حازما مقدما عند جذيمة، فخالفهم فيما أشاروا به، وَقَالَ: «رأي فاتر، وعدو [5] حاضر» . فذهبت مثلًا [6] .
وَقَالَ لجذيمة: اكتب إليها، فإن كانت صادقة فلتقبل إليك، وإلا لم تمكنها من نفسك ولم تقع فِي حبالها، وقد قتلت أباها. فلم يوافق جذيمة ما أشار به عَلَيْهِ [7] قصير، وَقَالَ له: «إنك امرؤ رأيك فِي الكن لا فِي الضح» . فذهبت مثلا.
ودعا جذيمة ابن أخته عمرو بْن عدي فاستشاره، فشجعه على السير. فاستخلف عمرو، وسار في وجوه أصحابه، فلما نزل رحبة طوق [8] دعا قصيرا، فَقَالَ: ويحك ما الرأي؟ قَالَ له: «ببقة تركت الرأي» ، فذهبت مثلا.