بعد ذلك اليوم لتودعنه الحبس، فاستشارني في المقام، فقلت: اخرج وإياك أن تقدر عليك [1] ، ثم التقتا فأخبرت كل واحدة صاحبتها الخبر، وأحمدتني عتبة [2] ، وصح عندها أني محب محق [3] ، فلما كان بعد أيام دعتني عتبة وقالت: بحياتي عليك إن كنت تعزها إلا أخذت [4] ما يعطيك الخادم، فأصلح به شأنك فقد غمني سوء حالك، فامتنعت، فقالت: ليس هذا مما تظن، ولكني [5] لا أحب أن أراك في هذا الزي، فقلت: / لو أمكنني أن تريني في زي المهدي لفعلت ذاك، فأقسمت عليّ، فأخذت الصرّة، فإذا فيها ثلاثمائة دينار فاكتسيت كسوة حسنة [6] ، واشتريت حمارا [7] .
أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو الطيب طاهر بن عبد الله قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن إبراهيم قال: حدثني علي بن محمد بن أبي عمرو البكري قال: حدثني علي بن عثمان قال: حدثني أشجع [8] السلمي قال: أذن لنا المهدي وللشعراء في الدخول عليه، فدخلنا، فأمرنا بالجلوس، فاتفق أن جلس إلى جنبي بشار، فسمع حسًا، فقال: يا أشجع، من هذا؟ فقلت: أبو العتاهية، فقال لي: أتراه ينشد في هذا المحفل؟ فقلت: أحسبه سيفعل، فأمره المهدي أن ينشد، فأنشده:
ألا ما لسيدتي ما لها
قال: فنخسني بمرفقه، ثم قال لي [9] : ويحك، رأيت أجسر [10] من هذا ينشد مثل هذا الشعر في مثل هذا الموضع حتى بلغ إلى قوله:
أتته [11] الخلافة منقادة ... إليه تجرر أذيالها