كأني والله عنيت بما في هذا القرطاس. ثم رمى به مزيدة [1] ، فأخذته، ووثب فدخل، فإذا فيه شعر لأبي العتاهية: [2] .
هل أنت معتبر بمن خربت ... منه غداة قضى دساكره
وبمن أذل الدهر مصرعه ... فتبرأت منه عساكره
وبمن خلت منه أسرته ... وبمن خلت منه منابره
أين الملوك وأين جندهم ... صاروا مصيرا أنت صائره
يا مؤثر الدنيا بلذته ... والمستعد لمن يفاخره
نل ما بدا لك أن تنال من الدنيا ... فإن الموت آخره
قَالَ: فمات في سفرته تلك.
قال علماء السير/: ودخل الرشيد جرجان، فوافته خرائن علي بن عيسى على ألف بعير وخمسمائة بعير، ثم رحل من جرجان وهو مريض إلى طوس، فأقام بها إلى أن توفي، واتهم هرثمة [3] ، فوجه ابنه المأمون قبل وفاته بثلاث وعشرين ليلة إلى مرو، ومعه عبد الله بْن مالك، ويحيى بن معاذ، وأسد بن يزيد في آخرين. وكان بين هرثمة وأصحاب رافع فيها وقعة، ففتح فيها بخارى، وأسر أخا رافع بشير بن الليث، فبعث به إلى الرشيد وهو بطوس، فدخل به عليه وهو ينظر في المرآة ويقول: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2: 156 [4] . فنظر إِلَيْهِ فَقَالَ: يا ابن اللخناء، إني لأرجو ألا يفوتني رافع كما لم تفتني أنت. فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، قد أظفرك الله، فافعل ما يحبّ الله، ولعل الله أن يلين لك قلب رافع إذا رأى أنك قد مننت عليّ! فغضب وقَالَ: والله لو لم يبق من أجلي إلا أن