فدخلت عليه امرأة من نسائه فقالت لَهُ: يا هذا، قد ترى ما نحن فيه من ضيق الحال، / فلو قبلت هذا المال فانفرجنا بِهِ. فقال لها: مثلي ومثلكم كمثل قوم كان لهم بعير يأكلون من كسبه، فلما كثر نحروه فأكلوا لحمه.
فلما سمع هارون هذا الكلام قَالَ: تدخل فعسى يقبل المال، فلما علم الفضيل خرج فجلس على السطح على باب الغرفة، فجلس هارون إلى جنبه، فجعل يكلمه فلا يجيبه، فبينا نَحْنُ كذلك إذ خرجت جارية سوداء فقالت: يا هذا، قد أذيت الشيخ منذ الليلة، فانصرف رحمك اللَّه. فانصرفنا.
[1] .
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بَكْر بْن ثَابِت قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم الحافظ قَالَ: أخبرني أبو جعفر [2] الخلدي [3] في كتابه. وحدثني فيه محمد بن إبْرَاهِيم عَنْه قال: سمعت الجنيد بن مُحَمَّد يَقُولُ: كان أبو شعيب البراثي أول من سكن براثا في كوخ يتعبد فيه، فمرت بكوخه جارية من بنات الكبار [4] من أبناء الدنيا كانت ربيت [5] في قصور الملوك، فنظرت إلى أبي شعيب فاستحسنت حاله [6] ، فصارت كالأسير له، فعزمت على التجرد عن الدنيا والاتصال بأبي شعيب، فجاءت إليه وقالت: أريد أن أكون لك خادمة. فقال لها: إن أردت ذلك فغيري من هيئتك وتجردي عما أنت فيه حتى تصلحي لما أردت. فتجردت عن كل ما تملكه/ ولبست لبسة النساك وحضرته فتزوجها، فلما دخلت الكوخ رأت قطعة خصاف وكان يجلس عليها أبو شُعَيْب تقيه من الندى، فقالت: ما أنا بمقيمة فيها حتى تخرج ما تحتك، لأني سمعتك تقول: إن الأرض تقول لابن آدم: تجعل بيني وبينك حجابا وأنت غدا في بطني، فما كنت لأجعل