وَلا قُوَّةَ إِلا باللَّه [اعْتَصَمْتُ باللَّه وَتَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهُ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا باللَّه] [1] الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وُفيَ وَكُفِيَ وَشُفِيَ مِنَ الْحَرْقِ وَالْغَرَقِ وَالْهَدْمِ وَمَيْتَةِ السُّوءِ» . فَلَمَّا قُلْتُهَا دفع لي ضوء نار فَقَصَدْتُهَا، فَإِذَا بِهَذَا الأَعْرَابِيِّ فِي خَيْمَةٍ لَهُ، وَإِذَا هُوَ يُوقِدُ نَارًا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقُلْتُ:
أَيُّهَا الأَعْرَابِيُّ هَلْ مِنْ ضِيَافَةٍ؟ قَالَ: انْزِلْ، فَنَزَلْتُ، فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ: هَاتِي ذَاكَ الشَّعِيرَ، فَأَتَتْهُ به، فقال: اطحنيه، فَابْتَدَأْتُ بِطَحْنِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: اسْقِنِي مَاءً، فَجَاءَ بِسِقَاءٍ فِيهِ مَذْقَةٌ مِنْ لَبَنٍ أَكْثَرُهُ مَاءٌ، فَشَرِبْتُ مِنْهَا شَرْبَةً مَا شَرِبْتُ قَطُّ شَيْئًا إِلا وَهُوَ أَطْيَبُ مِنْهُ، قَالَ:
فَأَعْطَانِي حِلْسًا لَهُ فَوَضَعْتُ رَأْسِي عَلَيْهِ، فَنِمْتُ نَوْمَةً مَا نِمْتُ [نَوْمَةً] [2] أَطْيَبَ مِنْهَا وَأَلَذَّ، ثُمَّ انْتَبَهْتُ فَإِذَا هُوَ قَدْ وَثَبَ إِلَى شُوَيْهَةٍ فَذَبَحَهَا، وَإِذَا امْرَأَتُهُ تَقُولُ لَهُ: وَيْحَكَ قَتَلْتَ نَفْسَكَ وَصِبْيَتَكَ إِنَّمَا كَانَ مَعَاشُكُمْ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ فذبحتها فَبِأَيِّ شَيْءٍ نَعِيشُ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: لا عَلَيْك هات الشاة، فشققت جوفها واستخرجت كبدها بسكين في خفي فشرحتها ثم 96/ ب طَرَحْتُهَا عَلَى النَّارِ فَأَكَلْتُهَا، ثُمَّ قُلْتُ: هَلْ عِنْدَكَ شَيْءٌ أَكْتُبُ لَكَ فِيهِ؟ فَجَاءَنِي بِهَذِهِ/ الْقِطْعَةِ وَأَخَذْتُ عُودًا مِنَ الرَّمَادِ الَّذِي كَانَ بين يديه، فكتبت له هذا الكتاب وختمته بِهَذَا الْخَاتَمِ وَأَمَرْتُهُ أَنْ يَجِيءَ وَيَسْأَلَ عَنِ الربيع فيدفعها إليه فإذا في الرقعة خمسمائة أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: لا وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ إلا خمسين ألف درهم، ولكن جرت بخمسمائة أَلْفِ دِرْهَمٍ، لا أَنْقُصُ وَاللَّهِ مِنْهَا دِرْهَمًا وَاحِدًا وَلَوْ لْمَ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ غَيْرَهَا احْمِلُوهَا مَعَهُ.
فَمَا كَانَ إِلا قَلِيلا حَتَّى تَكَثَّرَتْ [3] إِبِلُهُ وَشَاؤُهُ، وَصَارَ مَنْزَلا مِنَ الْمَنَازِلِ تَنْزِلُهُ النَّاسُ مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ مِنَ الأَنْبَارِ إِلَى مَكَّةَ، وَسُمِّيَ مُضِيفَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ المهدي.
أخبرنا عبد الرحمن، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرني أبو القاسم الأزهري، قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم، قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عرفة، قَالَ [4] :
وخرج المهدي يوما إِلَى الصيد فانقطع عَنْ خاصته، فدفع إِلَى أعرابي وَهُوَ يريد البول، فَقَالَ: يا أعرابي، احفظ علي فرسي حَتَّى أبول، فسعى نحوه وأخذ بركابه، فنزل