خَلِيفَةَ اللَّهِ مَاذَا تَأْمُرُونَ بِنَا ... لَسْنَا إِلَيْكُمْ وَلا فِي دَارِ مُنْتَظَرِ
مَا زِلْتُ بَعْدَكَ فِي هَمٍّ يُؤَرِّقُنِي ... قَدْ طَالَ فِي الْحَيِّ [1] إِصْعَادِي وَمُنْحَدَرِي
لا يَنْفَعُ الْحَاضِرُ الْمَجْهُودَ بَادِينَا [2] ... وَلا يَعُودُ لَنَا بَادٍ عَلَى حَضَرِ
إِنَّا لَنَرْجُو إِذَا مَا الْغَيْثُ أَخْلَفَنَا ... مِنَ الْخَلِيفَةِ مَا نَرْجُو مِنَ الْمَطَرِ
نَالَ الْخِلافَةَ إِذْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا ... كَمَا أَتَى رَبُّهُ مُوسَى عَلَى قَدَرِ
هَذِي الأَرَامِلُ قَدْ قَضَيْتَ حَاجَتَهَا ... فَمَنْ لِحَاجَةِ هَذَا الأَرْمَلِ الذكر
الْخَيْرُ مَا دُمْتَ حَيًّا لا يُفَارِقُنَا ... بُورِكْتَ يَا عُمَرُ الْخَيْرَانِ مِنْ عُمَرِ
فَقَالَ: يَا جَرِيرُ، مَا أَرَى [لَكَ] [3] فِيمَا هَا هُنَا حَقًّا، قَالَ: بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَا ابْنُ سَبِيلٍ وَمُنْقَطِعٌ. فَأَعْطَاهُ مِنْ صُلْبِ مَالِهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ.
قَالَ: وَقَدْ ذكر أَنَّهُ قَالَ لَهُ: وَيْحَكَ يَا جَرِيرُ لَقَدْ وُلِّينَا هَذَا الأَمْرَ وَمَا نملك إلا ثلاثمائة دِرْهَمٍ، فَمِائَةٌ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ، وَمِائَةٌ أَخَذَتْهَا أُمُّ عُبَيْدِ اللَّهِ، يَا غُلامُ أَعْطِهِ الْمِائَةَ الْبَاقِيَةَ.
قَالَ: فَأَخَذَهَا وَقَالَ: وَاللَّهِ لَهِيَ أَحَبُّ مِنْ كُلِّ مَا اكْتَسَبْتُهُ.
قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ لَهُ الشُّعَرَاءُ: مَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ: مَا يَسُرُّكُمْ، خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ يُعْطِي الْفُقَرَاءَ وَيُعْطِي الشُّعَرَاءَ، وَإِنِّي عَنْهُ لَرَاضٍ [4] ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
رَأَيْتُ رُقَى الشَّيْطَانِ لا يَسْتَفِزُّهُ ... وَقَدْ كَانَ شَيْطَانِي مِنَ الْجِنِّ رَاقِيًا
وَحَكَى ابْنُ قُتَيْبَةَ عَنْ حَمَّادٍ الرَّاوِيَةِ [5] ، قَالَ: قَالَ لِي كثيرٌ: أَلا أُخْبِرُكَ بِمَا دَعَانِي إِلَى تَرْكِ الشِّعْرِ؟ قُلْتُ: خَبِّرْنِي، قَالَ: شَخَصْتُ أَنَا وَالأَحْوَصُ وَنُصَيْبٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِسَابِقَةٍ لَهُ أَوْ خَلَّةٍ وَنَحْنُ لا نَشُكُّ فِي أَنَّهُ سَيُشْرِكُنَا فِي خِلافَتِهِ، فَلَمَّا رُفِعَتْ لَنَا أَعْلامُ خَنَاصِرِهِ لَقِينَا مَسْلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ جَائِيًا مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ فَتَى الْعَرَبِ، فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلامَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَا بَلَغَكُمْ أن إمامكم لا يقبل