ويكنى أبا أيوب، بويع يوم موت أخيه الوليد، وكان بالرملة، فوصل الخبر إليه بعد سبعة أيام، [فبويع] ، وسار إلى دمشق، فورد على فاقة من الناس إليه لما كانوا فيه من جور الوليد وعسفه، فأحسن السيرة، ورد المظالم، وفك الأسرى، وأطلق أهل السجون، واتخذ عمر بن عبد العزيز وزيرا، ثم عهد إليه.
وكان طويلا أسمرا أعرج أكولا [2] ، نشأ بالبادية عند أخواله، فلما قدم صعد المنبر، فخنقته العبرة، ثم قال:
ركب القلا به المطي فغافل ... عن سيره ومشمر لم يغفل
لا بد أن يرد المقصر والذي ... حب النجاء محله لم تحلل
يا أيها الناس، رحم الله من ذكر فاذكر، فإن العظة تجلو العمى، إنكم أوطنتم أنفسكم دار الرحلة، واطمأننتم إلى دار الغرور فألهاكم الأمل وغرتكم الأماني، فأنتم سفر وإن أقمتم، ومرتحلون وإن وطنتم، لا تشتكي مطاياكم ألم الكلال، ولا يتعبها دأب السير، ليل يدلج بكم وأنتم نائمون، ونهار يجد بكم وأنتم غافلون، لكم في كل يوم مشيع لا يستقبل، ومودع لا يؤوب. أولا ترون- رحمكم الله- إلى ما أنتم فيه منافسون، وعليه مواظبون، وله مؤثرون، من كثير يفنى، وجديد يبلى، كيف أخذ به المخلفون له، وحوسبوا عليه [3] دون المتنعم به، فأصبح كل منهم رهنا بما كسبت يداه. وما الله بظلام للعبيد.