الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ. أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّكَ عَبْدٌ طَمَتْ بِكَ الأُمُورُ، فَسَمَوْتَ فِيهَا وَعَدَوْتَ طَوْرَكَ وَجَاوَزْتَ قَدْرَكَ، وَأَرَدْتَ أَنْ تَرُوزَنِي، فَإِنْ سَوَّغْتُكَهَا مَضَيْتَ قُدُمًا، وَإِنْ [لَمْ] رَجَعْتَ الْقَهْقَرَى فَلَعَنَكَ اللَّهُ عَبْدًا أَخْفَشَ الْعَيْنَيْنِ، مَنْقُوصَ الْجَاعِرَتَيْنِ، أَنَسِيتَ مَكَاسِبَ آبَائِكَ بِالطَّائِفِ، وَحَفْرَهُمُ الآبَارَ بِأَيْدِيهِمْ، وَنَقْلَهُمُ الصُّخُورَ عَلَى ظُهُورِهِمْ فِي الْمَنَاهِلِ، يَا ابْنَ الْمُسْتَفْرِمَةِ بِعُجْمِ الزَّبِيبِ، وَاللَّهِ لأَغْمِزَنَّكَ غَمْزَةَ اللَّيْثِ الثَّعْلَبَ، وَالصَّقْرِ الأَرْنَبَ، وَثِبْتَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أصحاب رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَلَمْ تَقْبَلْ لَهُ إِحْسَانَهُ، وَاسْتِخْفَافًا مِنْكَ بِالْعَهْدِ، وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى رأت رجلا خدم عُزَيْرِ بْنَ عُزْرَةَ وَعِيسَى بْنَ مَرْيَمَ لَعَظَّمَتْهُ وَشَرَّفَتْهُ وَأَكْرَمَتْهُ، فَكَيْفَ وَهَذَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ خَادِمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَدَمَهُ ثَمَانِيَ سِنِينَ يُطْلِعُهُ عَلَى سِرِّهِ، وَيُشَاوِرُهُ فِي أَمْرِهِ، ثُمَّ هُوَ مَعَ هَذَا بِقَيَّةٌ مِنْ بَقَايَا أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَإِذَا قَرَأْتَ كِتَابِي هَذَا فَكُنْ أَطْوَعَ لَهُ مِنْ خُفِّهِ وَنَعْلِهِ، وَإِلا أَتَاكَ مني سهم مثكل بحتف قاض، ولِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ 6: 67 [1] .
فَأَتَاهُ فَتَرَضَّاهُ. وَمَا عُرِفَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ مَنْقَبَةٌ أَكْرَمُ مِنْهَا.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن نَاصِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْنُ عَلِيٍّ النَّرْسِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو عبد الله محمد بن علي بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَسَنِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا زَيْدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَاجِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ وَصِيفٍ الْكِنَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمَعْمَرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُثْمَانَ الأُمَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي محمد بن سَهْلُ بْنُ عُمَيْرٍ الْمَازِنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قال:
عرض الحجاج بْنُ يُوسُفَ خَيْلا لَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَنَسِ بن مالك خَادِمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ هَذِهِ مِنَ الَّتِي كَانَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَنَسٌ: تِلْكَ وَاللَّهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمن رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ به عَدُوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ 8: 60 [2] وَهَذِهِ هُيِّئَتْ لِلرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ: لَوْلا كِتَابُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أَتَانِي لَفَعَلْتُ وَفَعَلْتُ، فَقَالَ لَهُ أَنَسٌ: تاللَّه، لَمْ تَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ، عَلَّمَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم كلمات أتحرز بهن من كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ، وَمِنْ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، قَالَ: فَجَثَا الْحَجَّاجُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ قَالَ: عَلِّمْنِيهِنَّ يَا عَمُّ، قَالَ: تاللَّه لَسْتَ لَهُنَّ