أَنَّ الْحَجَّاجَ لَمَّا قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ صَلَبَهُ عَلَى عَقَبَةِ الْمَدِينَةِ، فَمَرَّ بِهِ ابْنُ عُمَرَ، فوقف فقال: السلم عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ نَهَيْتُكَ عَنْ عَدُوِّ اللَّهِ [1] ، أَمَا وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ أنك [كُنْتَ] [2] صَوَّامًا قَوَّامًا، ثُمَّ اسْتَنْزَلَهُ الْحَجَّاجُ فَرَمَى بِهِ فِي مَقَابِرِ الْيَهِودِ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى أُمِّهِ وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهَا أَنْ تَأْتِيَهُ، فَأَبَتْ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا: لَتَأْتِيَنِّي أَوْ لأَبْعَثَنَّ إِلَيْكِ مَنْ يَسْحَبُكِ بِقُرُونِكِ حَتَّى يَأْتِيَنِي بِكِ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ: إِنِّي وَاللَّهِ لا آتِيكَ حَتَّى تَبْعَثَ إِلَيَّ من يسحبني بقروني، فأتاه رسوله فأخبره، فقال: يا غلام، ناولني سبتيتي [3] ، فَنَاوَلَهُ نَعْلَيْهِ فَانْتَعَلَ ثُمَّ خَرَجَ يَتَوَذَّفُ [4] حَتَّى أَتَاهَا، فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتِنِي صَنَعْتُ بِعَدُوِّ اللَّهِ؟ قَالَتْ:

رَأَيْتُكَ أَفْسَدْتَ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ وَأَفْسَدَ عَلَيْكَ آخِرَتَكَ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُعَيِّرُهُ فَتَقُولُ: يَا ابْنَ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ، وَقَدْ كُنْتُ والله ذات النِّطَاقَيْنِ/ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَنِطَاقُ الْمَرْأَةِ الَّتِي لا تستغني عنه، وأما النطاق الآخر فإنّي كنت أَرْفَعُ فِيهِ طَعَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَعَامَ أَبِي مِنَ النَّمْلِ وَغَيْرِهِ، فأي ذلك ويل أمك عيّرته به، أما إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ ثَقِيفَ رَجُلانِ: كذاب، ومبير» . فأما الكذاب فقد رَأَيْنَاهُ ابْنَ أَبِي عُبَيْدٍ، وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَأَنْتَ ذَلِكَ، فَوَثَبَ فَانْصَرَفَ عَنْهَا وَلَمْ يُرَاجِعْهَا.

أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ [4] الْبَاقِلاوِيُّ، قَالَ:

حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَعْلَجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: [5] دَخَلَتْ عَلَيَّ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَ قَتْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبْيَرِ، فَقَالَتْ: بَلَغَنِي أَنَّهُمْ عَلَّقُوا عَبْدَ اللَّهِ مُنَكَّسًا، وَعَلَّقُوا مَعَهُ هِرَّةً، وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي لا أَمُوتُ حَتَّى يُدْفَعَ إِلَيَّ فَأُغَسِّلُهُ وَأُكَفِّنُهُ وَأُحَنِّطُهُ ثُمَّ أَدْفِنُهُ، فَمَا لَبِثَتْ حَتَّى جَاءَ كِتَابُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنْ يُدْفَعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَأَتَيْتُ بِهِ أسماء فغسلته وكفنته وحنطته ثم دفنته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015