أصابوني لهوا عن طلب غيري. فقَالَ أخوه العباس: لم نفعل ذلك لنبقى بعدك، لا أرانا الله ذلك أبدا.
ثم تكلم إخوته وأولاده وبنو أخيه وبنو عَبْد اللَّهِ بن جعفر بنحو ذلك، فقَالَ الحسين: يا بني عقيل، حسبكم من الفتك بمسلم [1] ، اذهبوا فقد أذنت لكم. فقالوا:
لا والله، بل نفديك بأنفسنا وأهلينا، فقبح الله العيش بعدك.
وقَالَ مسلم بن عوسجة: والله لو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لرميتهم بالحجارة، وقَالَ سعيد بن عَبْد اللَّهِ الحنفِي: والله لا نخليك حتى يعلم الله أننا قد حفظنا غيبة رسول الله فيك، والله لو علمت أني أقتل، ثم أحيا، ثم أحرق حيا، ثم أذرى تسعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك.
وتكلم جماعة [من] [2] أصحابه بنحو هذا، فلما أمسى الحسين جعل يصلح سيفه ويقول مرتجزا:
139
/ ب يا دهر أف لك من خليل ... / كم لك بالإشراق والأصيل
من صاحب أو طالب قتيل
فلما سمعه ابنه علي خنقته العبرة، فسمعته زينب بنت علي، فنهضت إليه وهي تقول: وا ثكلاه، ليت الموت أعدمني الحياة، اليوم ماتت فاطمة أمي، وعلي أبي، يا خليفة الماضي، وثمال الباقي. فقَالَ لها الحسين: أخية، لا يذهب حلمك الشيطان.
وترقرقت عيناه، فلطمت وجهها، وشقت جيبها، وخرت مغشية عليها. فقام إليها الحسين عليه السلام فرش الماء على وجهها، وقَالَ: يا أخية اعلمي أن أهل الأرض يموتون، وأهل السماء لا يبقون، ولي أسوة برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإني أقسم عليك يا أخية لا تشقي علي جيبا ولا تخمشي وجها.
وقام الحسين وأصحابه يصلون الليل كله، ويدعون، فلما صلى عمرو بن سعد الغداة- وذلك يوم عاشوراء- خرج فيمن معه من الناس، وعبأ الحسين أصحابه، وكانوا