فَدَخَلْتُ عَلَى النَّجَاشِيِّ فَسَجَدْتُ لَهُ كَمَا كُنْتُ أَصْنَعُ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِصَدِيقِي، أَهْدَيْتَ لِي مِنْ بِلادِكَ شَيْئًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ أَيُّهَا الْمَلِكُ، أَهْدَيْتُ لك أدما كثيرا، ثم قربته إليه فأعجبه، وفرق مِنْهُ أَشْيَاءَ بَيْنَ بَطَارِقَتِهِ، وَأَمَرَ بِسَائِرِهِ فَأُدْخِلَ في موضع، فلما رَأَيْتُ طِيبَةَ نَفْسِهِ قُلْتُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنِّي رَأَيْتُ رَجُلا خَرَجَ مِنْ عِنْدِكَ وَهُوَ رَسُولُ رَجُلٍ هُوَ عَدُوُّنَا، وَقَدْ وَتَرَنَا وَقَتَلَ أَشْرَافَنَا وَخِيَارَنَا فَأَعْطِنِيهِ فَأَقْتُلُهُ، فَغَضِبَ وَرَفَعَ يَدَهُ فَضَرَبَ بِهَا أَنْفِي ضَرْبَةً ظَنَنْتُ أَنَّهُ كَسَرَهُ، وَابْتَدَرَ منخراي فجعلت أَتَلَقَّى الدَّمَ بِثِيَابِي وَأَصَابَنِي مِنَ الذُّلِّ مَا لَوْ شُقَّتِ الأَرْضُ دَخَلْتُ فِيهَا فَرَقًا مِنْهُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، لَوْ ظَنَنْتُ أَنَّكَ/ تكره ما قلت 80/ ب مَا سَأَلْتُكَ إِيَّاهُ. قَالَ: فَاسْتَحْيَا وَقَالَ: يَا عمرو، تسألني أن أعطيك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من يَأْتِيهِ النَّامُوسُ الأَكْبَرُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى، وَالَّذِي كَانَ يَأْتِي عِيسَى أُعْطِيكَهُ لِتَقْتُلَهُ؟ قَالَ عَمْرٌو: وَغَيَّرَ اللَّهُ قَلْبِي عَمَّا كُنْتُ عَلَيْهِ وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: عَرَفَ هَذَا الْحَقَّ الْعَرَبُ وَالْعَجَمُ وَتُخَالِفُ أَنْتَ، قُلْتُ: وَتَشْهَدُ أَيُّهَا الْمَلِكُ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَم أَشْهَدُ بِهِ عِنْدَ اللَّهِ يَا عَمْرُو فَأَطِعْهُ وَاتَّبِعْهُ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَعَلَى الْحَقِّ، وَلَيَظْهَرَنَّ عَلَى كُلِّ مَنْ خَالَفَهُ كَمَا ظَهَرَ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ، قُلْتُ: أَفَتُبَايِعُنِي لَهُ عَلَى الإِسْلَامِ، قَالَ: نَعَمْ، فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ عَلَى الإِسْلامِ، وَدَعَى لِي بِطِسْتٍ فَغَسَلَ عَنِّي الدَّمَ وَكَسَانِي ثِيَابًا وَكَانَتْ ثِيَابِي قَدِ امْتَلَأَتْ مِنَ الدَّمِ فَأَلْقَيْتُهَا ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى أصحابي، فلما رأوا كِسْوَةَ الْمَلِكِ سُرُّوا بِذَلِكَ، وَقَالُوا: هَلْ أَدْرَكْتَ مِنْ صَاحِبِكَ مَا أَرَدْتَ؟ فَقُلْتُ لَهُمْ: كَرِهْتُ أَنْ أُكَلِّمَهُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ وَقُلْتُ: أَعُودُ إِلَيْهِ، قَالُوا: الرَّأْيُ مَا رَأَيْتَ، وَفَارَقْتُهُمْ وَكَأَنِّي أَعْمَدُ لِحَاجَةٍ، فَعَمَدْتُ إِلَى مَوْضِعِ السُّفُنِ فَوَجَدْتُ سَفِينَةً قَدْ شُحِنَتَ تَدْفَعُ، فَرَكِبْتُ مَعَهُمْ وَدَفَعُوهَا مِنْ سَاعَتِهِمْ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الشَّعْبِيَّةِ، فَخَرَجْتُ بها ومعي نفقة واتبعت بَعِيرًا وَخَرَجْتُ أُرِيدُ الْمَدِينَةَ حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى مر الظهران، ثم مضيت حتى إِذَا كُنْتُ بِالْهَدَّةَ إِذَا رَجُلانِ قَدْ سَبَقَا فِي بَعِيرٍ كَبِيرٍ يُرِيدَانِ مَنْزِلا وَأَحَدُهُمَا دَاخِلٌ فِي خَيْمَةٍ وَالآخَرُ قَائِمٌ يَمْسِكُ الرَّاحِلَتَيْنِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَقُلْتُ: أَبَا سُلَيْمَانَ، قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: مُحَمَّدًا، دَخَلَ النَّاسُ فِي الإِسْلامِ فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ بِهِ طُعْمٌ، وَاللَّهِ لَوْ أَقَمْنَا لأَخَذَ بِرِقَابِنَا كَمَا يُؤْخَذُ بِرَقَبَةِ الضَّبُعِ فِي مَغَارَتِهَا، قُلْتُ: وَاللَّهِ وَأَنَا قَدْ أَرَدْتُ مُحَمَّدًا وَأَرَدْتُ الإِسْلامَ.

وَخَرَجَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ فَرَحَّبَ بِي فَنَزَلْنَا جَمِيعًا فِي الْمَنْزِلِ ثُمَّ تَرَافَقْنَا حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَمَا أَنْسَى قَوْلَ رَجُلٍ لَقِيَنَا بِبِئْرِ أَبِي عُتْبَةَ يَصِيحُ: يَا رَبَاحُ يَا رَبَاحُ، فتفاءلنا بقوله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015