كأنما أمشي في حمام [1] حتى أتيتهم، فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره [2] بالنار فوضعت سهمي في كبد القوس فأردت أن أرميه فذكرت قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تذعرهم علي» فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمام، فلما أتيته أخبرته خبر القوم وفرعت وقررت [3] ، فألبسني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أزل نائما حتى أصبحت، قال صلّى الله عليه وسلّم: «قم يا نومان» [4] .
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: قَالَ فَتًى مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ [5] لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، رَأَيْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم وصحبتموه، قال: نعم يا ابن أَخِي، قَالَ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ كُنَّا نَجْهَدُ، فَقَالَ الْفَتَى:
وَاللَّهِ لَوْ أَدْرَكْنَاهُ مَا تَرَكْنَاهُ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ وَلَحَمَلْنَاهُ عَلَى أَعْنَاقِنَا، فَقَالَ حُذَيْفَةُ:
يَا ابْنَ أَخِي، وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَنْدَقِ يُصَلِّي هَوِيًّا [6] مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: «مَنْ رَجُلٌ يَقُومُ فَيَنْظُرُ لَنَا مَا فَعَلَ الْقَوْمُ [ثُمَّ يَرْجِعُ] » [7] وَشَرَطَ لَهُ أَنَّهُ إِذَا رَجِعَ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَةَ، فَمَا قَامَ رَجُلٌ، ثُمَّ صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هَوِيًّا مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: «أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ» . / فَمَا قَامَ أَحَدٌ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَالْبَرْدِ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ أَحَدٌ دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَكُنْ لِي بُدٌّ مِنَ الْقِيَامِ، فَقَالَ: يَا حُذَيْفَةُ اذْهَبْ فَادْخُلْ فِي الْقَوْمِ فَانْظُرْ مَا يَفْعَلُونَ. فَذَهَبْتُ فَدَخَلْتُ فِي الْقَوْمِ وَالرِّيحُ [وَجُنُودُ اللَّهِ] تَفْعَلُ بِهِمْ مَا تَفْعَلُ فَلا تَتَرْكُ قِدْرًا وَلا نَارًا، وَلا بِنَاءً. فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، لِيَنْظُرَ امْرِؤٌ جَلِيسَهُ، فَأَخَذْتُ بِيَدِ الرَّجُلِ الّذي كان إلى