(المشركون الذين وصفهم الله ورسوله بالشرك أصلهم صنفان: قوم نوح، وقوم إبراهيم.
فقوم نوح كان أصل شركهم العكوف على قبور الصالحين، ثم صوروا تماثيلهم، ثم عبدوهم.
وقوم إبراهيم كان أصل شركهم عبادة الكواكب والشمس والقمر.
وكل من هؤلاء يعبدون الجن؛ فإن الشياطين قد تخاطبهم وتعينهم على أشياء، وقد يعتقدون أنهم يعبدون الملائكة وإن كانوا في الحقيقة إنما يعبدون الجن؛ فإن الجن هم الذين يعينونهم ويرضون بشركهم، قال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَميعاً ثُمَّ يَقولُ لِلْملائِكَةِ أهؤلاءِ إيَّاكُمْ كانوا يَعْبُدونَ. قالوا سُبْحَانَكَ أنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دونِهِمْ بَلْ كانوا يَعْبُدونَ الجِنَّ أكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمنونَ} (?) .
والملائكة لا تعينهم على الشرك لا في المحيا ولا في الممات ولا يرضون بذلك، ولكن الشياطين قد تعينهم وتتصور لهم في صور الآدميين؛ فيرونهم بأعينهم ويقول أحدهم: أنا إبراهيم، أنا المسيح، أنا محمد، أنا الخضر، أنا أبو بكر، أنا عمر، أنا عثمان، أنا علي، أنا الشيخ فلان. وقد يقول بعضهم عن بعض: هذا هو النبي فلان أو هذا هو الخضر، ويكون أولئك كلهم جناً يشهد بعضهم لبعض، والجن كالإنس؛ فمنهم الكافر، ومنهم الفاسق، ومنهم العاصي، وفيهم العابد الجاهل؛ فمنهم من يحب شيخاً فيتزيا في صورته ويقول: أنا فلان، ويكون ذلك في برية ومكان قفر، فيطعم ذلك