وقولهم متناقض؛ فإنَّه إذا كان ذلك دليلاً مستلزماً لانتفاء الإيمان الذي في القلب امتنع أن يكون الإيمان ثابتاً في القلب، مع الدَّليل المستلزم لنفيه، وإن لم يكن دليلاً لم يجز الاستدلال به على الكفر الباطن.

والله سبحانه في غير موضع يبيِّن أنَّ تحقيق الإيمان وتصديقه بما هو من الأعمال الظَّاهرة والباطنة؛ كقوله: {إنَّما المُؤْمِنونَ الذينَ إذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وإذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتِهِ زادَتْهُمْ إيماناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلونَ. الذينَ يُقيمونَ الصَّلاةَ ومِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقونَ. أولئكَ هُمُ المُؤْمِنونَ حَقّاً ... } (?) .

وقال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لا يُؤْمنونَ حَتَّى يُحَكِّموكَ فيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدوا في أنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّموا تَسْليماً} (?) .

فإذا قال القائل: هذا يدلُّ على أنَّ الإيمان ينتفي عند انتفاء هذه الأمور لا يدلُّ على أنَّها من الإيمان.

قيل: هذا اعتراف بأنَّه ينتفي الإيمان الباطن مع عدم مثل هذه الأمور الظَّاهرة؛ فلا يجوز أن يَّدعي أنَّه يكون في القلب إيمان ينافي الكفر بدون أمور ظاهرة: لا قول ولا عمل، وهو المطلوب - وذلك تصديق -، وذلك لأنَّ القلب إذا تحقَّق ما فيه أثَّر في الظَّاهر ضرورةً، لا يمكن انفكاك أحدهما عن الآخر؛ فالإرادة الجازمة للفعل مع القدرة التَّامَّة توجب وقوع المقدور، فإذا كان في القلب حبُّ الله ورسوله ثابتاً استلزم موالاة أوليائه ومعاداة أعدائه: {لا تَجِدوا قَوْماً يُؤْمِنونَ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حادَّ اللهَ ورَسُولَهُ وَلَوْ كانوا آباءَهُمْ أوْ أبْناءَهُمْ أوْ إخْوانَهُمْ أوْ عَشيرَتَهُمْ} (?) ، {وَلَوْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015