(كان الصحابة يرمون بالقوس العربية الطويلة التي تشبه قوس الندف، وفتح الله لهم بها البلاد، وقد رويت آثار في كراهة الرمي بالقوس الفارسية عن بعض السلف لكونها كانت شعار الكفار، فأما بعد أن اعتادها المسلمون وكثرت فيهم وهي في أنفسها أنفع في الجهاد من تلك القوس؛ فلا تكره في أظهر قولي العلماء أو قول أكثرهم؛ لأن الله تعالى قال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ ما اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الخَيْلِ} (?) .
والقوة في هذا أبلغ بلا ريب، والصحابة لم تكن هذه عندهم فعدلوا عنها إلى تلك؛ بل لم يكن لهم غيرها، فيُنظر في قصدهم بالرمي: أكان لحاجة إليها إذ ليس لهم غيرها، أم كان لمعنى فيها؟ ومن كره الرمي بها كرهه لمعنى لازم كما يكره الكفر وما يستلزم الكفر، أم كرهها لكونها كانت من شعائر الكفار فكره التشبه بهم؟
وهذا كما أن الكفار من اليهود والنصارى إذا لبسوا ثوب الغيار من أصفر وأزرق نُهي عن لباسه لما فيه من التشبه بهم، وإن كان لو خلا عن ذلك لم يُكره، وفي بلاد لا يلبس هذه الملابس عندهم إلا الكفار فنهي عن لبسها، والذين اعتادوا ذلك من المسلمين لا مفسدة عندهم في لبسها.
ولهذا كره أحمد وغيره لباس السواد لما كان في لباسه تشبه بمن يظلم أو يعين على الظلم، وكره بيعه لمن يستعين بلبسه على الظلم، فأما إذا لم يكن فيه مفسدة؛ لم ينه عنه) (?) .