الأمر بالشيء هل يكون أمراً بلوازمه

(تنازع الناس في الأمر بالشيء: هل يكون أمراً بلوازمه، وهل يكون نهياً عن ضده مع اتفاقهم على أن فعل المأمور لا يكون إلا مع فعل لوازمه وترك ضده؟

ومنشأ النزاع أن الآمر بالفعل قد لا يكون مقصوده اللوازم ولا ترك الضد، ولهذا إذا عاقب المكلف لا يعاقبه إلا على ترك المأمور فقط، لا يعاقبه على ترك لوازمه وفعل ضده.

وهذه المسألة هي الملقبة بأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وقد غلط فيها بعض الناس؛ فقسموا ذلك إلى ما لا يقدر المكلف عليه؛ كالصحة في الأعضاء، والعدد في الجمعة، ونحو ذلك مما لا يكون قادراً على تحصيله، وإلى ما يقدر عليه؛ كقطع المسافة في الحج، وغسل جزء من الرأس في الوضوء، وإمساك جزء من الليل في الصيام، ونحو ذلك؛ فقالوا: ما لا يتم الواجب المطلق إلا به وكان مقدوراً للمكلف؛ فهو واجب.

وهذا التقسيم خطأ؛ فإن هذه الأمور التي ذكروها هي شرط في الوجوب؛ فلا يتم الواجب إلا بها، وما لا يتم الواجب إلا به يجب على العبد فعله باتفاق المسلمين، سواء كان مقدوراً عليه أو لا؛ كالاستطاعة في الحج واكتساب نصاب الزكاة، فإن العبد إذا كان مستطيعاً للحج وجب عليه الحج، وإذا كان مالكاً لنصاب الزكاة وجبت عليه الزكاة؛ فالوجوب لا يتم إلا بذلك، فلا يجب عليه تحصيل استطاعة الحج ولا ملك النصاب، ولهذا من يقول: إن الاستطاعة في الحج ملك المال - كما هو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد -؛ فلا يوجبون عليه الاكتساب، ولم يتنازعوا إلا فيما إذا بذلت له الاستطاعة: إما بذل الحج، وإما بذل المال له من ولده ...

طور بواسطة نورين ميديا © 2015