(التحقيق في ((مسألة إجماع أهل المدينة)) أن منه ما هو متفق عليه بين المسلمين، ومنه ما هو قول جمهور أئمة المسلمين، ومنه ما لا يقول به إلا بعضهم.
وذلك أن إجماع أهل المدينة على أربع مراتب:
الأولى: ما يجري مجرى النقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، مثل نقلهم لمقدار الصاع والمد، وكترك صدقة الخضروات والأحباس؛ فهذا مما هو حجة باتفاق العلماء ...
المرتبة الثانية: العمل القديم بالمدينة قبل مقتل عثمان بن عفان؛ فهذا حجة في مذهب مالك، وهو المنصوص عن الشافعي ...
والمرتبة الثالثة: إذا تعارض في المسألة دليلان كحديثين وقياسين جهل أيهما أرجح، وأحدهما يعمل به أهل المدينة؛ ففيه نزاع؛ فمذهب مالك والشافعي أنه يرجح بعمل أهل المدينة، ومذهب أبي حنيفة أنه لا يرجح بعمل أهل المدينة ...
وأما المرتبة الرابعة: فهي العمل المتأخر بالمدينة؛ فهذا هل هو حجة شرعية يجب اتباعه أم لا؟ فالذي عليه أئمة الناس أنه ليس بحجة شرعية، هذا مذهب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم، وهو قول المحققين من أصحاب مالك ...
ولو كان مالك يعتقد أن العمل المتأخر حجة يجب على جميع الأمة اتباعها وإن خالفت النصوص؛ لوجب عليه أن يلزم الناس بذلك حد الإمكان، كما يجب عليه أن يلزمهم اتباع الحديث والسنة الثابتة التي لا تعارض فيها وبالإجماع، وقد عرض عليه الرشيد أو غيره أن يحمل الناس