إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهدِ الله فلا مضلَ له، ومن يُضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فإنَّ كتبَ شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، ((جمعتْ فأوعت: جمعت جميع الفنون النافعة، والعلوم الصحيحة، جمعت علوم الأُصول والفُروع، وعلوم النقل والعقل، وعلوم الأخلاق، والآداب الظاهرة والباطنة، وجمعت بين المقاصد والوسائل، وبين المسائل والدلائل، وبين الأحكام وبيان حِكَمِها وأسرارها، وبين تقرير مذاهب الحق، والرَّد على جميع المُبطلين. وامتازت على جميع الكتُب المُصنَّفة بغزارة علمها، وكثرته وقوته، وجودته وتحقيقه، بحيث يجزم من له اطلاع عليها وعلى غيرها أنه لا يوجد لها نظير يُساويها أو يُقاربها)) (?) ، فهي غزيرة المادة، جزيلة المباحث، سديدة المنهج، سهلة الأسلوب، عذبة الموارد، ناصعة البيان، واضحة التعبير، مشرقة الدلالة، تدرك فوائدها على غير مؤونة، ولا كدِّ ذهن، ولا جهد فكر، من تصفحها وجدها مشبعة الفصول مستوعبة لأطراف الفنون، جامعة لشتيت الفوائد، ومنثور المسائل، قد استوعبت أصول العلوم، وأحاطت بفروعها، واستقصت غرائب مسائلها، وشواذها ونوادرها.
وشيخ الإسلام رحمه الله كان عالم أمته، وإمام عصره وأوحد زمانه، وكان بحر العلم الزاخر، وبدر العلماء الزاهر، وكوكبهم اللامع، ونبراسهم