هجر العاصي والمبتدع بحسب الأحوال والمصالح

(وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوَّتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم؛ فإنَّ المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامَّة عن مثل حاله؛ فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشَّرِّ وخفيته كان مشروعاً، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك بل يزيد الشَّرّ والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر؛ بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف، ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتألف قوماً ويهجر آخرين، كما أن الثلاثة الذين خلفوا كانوا خيراً من أكثر المؤلفة قلوبهم، لما كان أولئك كانوا سادة مطاعون في عشائرهم؛ فكانت المصلحة الدينية في تأليف قلوبهم، وهؤلاء كانوا مؤمنين، والمؤمنون سواهم كثير؛ فكان في هجرهم عز الدين وتطهيرهم من ذنوبهم، وهذا كما أن المشروع في العدو القتال تارة، والمهادنة تارة، وأخذ الجزية تارة؛ كل ذلك بحسب الأحوال والمصالح) (?) .

* * *

طور بواسطة نورين ميديا © 2015