( ... وأما القتال؛ فالسنة أيضاً فيه خفض الصوت ... وهذه الدقادق والأبواق التي تشبه قرن اليهود وناقوس النصارى لم تكن تُعرف على عهد الخلفاء الراشدين ولا من بعدهم من أمراء المسلمين، وإنما حدث في ظني من جهة بعض ملوك المشرق من أهل فارس؛ فإنهم أحدثوا في أحوال الإمارة والقتال أموراً كثيرة، وانبثت في الأرض لكون ملكهم انتشر؛ حتى ربا في ذلك الصغير وهرم فيها الكبير، لا يعرفون غير ذلك، بل ينكرون أن يتكلم أحد بخلافه، حتى ظن بعض الناس أن ذلك من إحداث عثمان بن عفان، وليس الأمر كذلك؛ بل ولا فعله عامة الخلفاء والأمراء بعد عثمان رضي الله عنه ... ولهذا ظهر في شعائر الجند المقاتلين شعائر الأعاجم من الفرس وغيرهم، حتى في اللباس وأعمال القتال والأسماء التي تكون لأسباب الإمرة مثل الألفاظ المضافة إلى دار؛ كقولهم: ركاب دار، وطشت دار، وخان دار؛ فإن ذلك في لغة الفرس بمعنى صاحب وحافظ، فإذا قالوا: جان دار؛ فالجان هي الروح في لغتهم، فالجان دار بمعنى حافظ الروح وصاحب الروح، وكذلك الركاب دار؛ أي: صاحب الركاب وحافظ الركاب، وهو الذي يسرج الفرس ويلجمه ويكون في ركاب الراكب، وكذلك صاحب الطشت الذي يغسل الثياب والأبدان، وكذلك برد دار وهو صاحب العتبة وهو الموكل بدار الأمير؛ كالحداد والبواب الذي يمنع من الدخول والخروج ويأذن فيه.
وكذلك يقولون: جمدار، وسلاح دار، وجوكان دار، وبندق دار، ودوادار، وخزندار، واستادار: لصاحب الثياب الذي يحفظ الثياب وما يتعلق بذلك، ولصاحب السلاح، والجوكان، والبندق، والدواه، وخزانة المال