269 - إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِهْرَانَ الأُسْتَاذُ الإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الإسفرايِنِيُّ، أَحَدُ مَنْ بَلَغَ حَدَّ الاجْتِهَادِ لِتَبَحُّرِهِ فِي الْعُلُومِ وَاسْتِجْمَاعِهِ شَرَائِطَ الإِمَامَةِ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ وَالْفِقْهِ وَالْكَلامِ وَالأُصُولِ وَمَعْرِفَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، رَحَلَ إِلَى الْعِرَاقِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَحَصَّلَ مَا لَمْ يُحَصِّلْهُ غَيْرُهُ، وَأَخَذَ فِي التَّدْرِيسِ وَالتَّصْنِيفِ وَالإِفَادَةِ، وَكَانَ ذَا فُنُونٍ بَالِغًا فِي كُلِّ فَنٍّ دَرَجَةَ الإِمَامَةِ، وَكَانَ طَرَّازَ نَاحِيَةِ الشَّرْقِ فَضْلا عَنْ نَيْسَابُورَ وَنَاحِيَتِهِ الَّتِي كَانَ مِنْهَا، ثُمَّ كَانَ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْعِبَادَةِ وَالْمُبَالِغِينَ فِي الْوَرَعِ وَالتَّخَرُّجِ، ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ لِعُلُوِّ مَنْزِلَتِهِ وَكَمَالِ فَضْلِهِ، حَدَّثَ عَنْ: أَبِي بَكْرٍ الإِسْمَاعِيلِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ بَرْذَادَ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْخَالِقِ بْنِ الْحُسَيْنِ السَّقَطِيِّ، وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَرْمَقَانِيِّ، وَأَبِي أَحْمَدَ الْغِطْرِيفِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ رُزْمَوَيْهِ، وَدَعْلَجٍ، وَأَبِي بَكْرٍ الشَّافِعِيِّ وَطَبَقَتِهِمْ.
انْتَخَبَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ، وَخَرَّجَ لَهُ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ الرَّارَانِيُّ أَلْفَ حَدِيثٍ، وَعُقِدَ لَهُ مَجْلِسُ الإِمْلاءِ بِنَيْسَابُورَ فِي مَسْجِدِ عَقِيلٍ، بَعْدَ أَبِي طَاهِرٍ الزِّيَادِيِّ سَنَةَ عَشْرٍ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، وَحَضَرَ الْحُفَّاظَ وَالْمَشَايِخَ مِنَ الصُّدُورِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ، وَأَمْلَى سِنِينَ أَعْصَارَ -[128]- الْخَمِيسِ مَرَّةً وَأَعْصَارَ الْجُمُعَةِ مَرَّةً، وَكَانَ ثِقَةً ثَبْتًا فِي الْحَدِيثِ، سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ الْمُؤَذِّنَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ الْعَبْدَوِيَّ يَقُولُ: كَانَ الإِمَامُ يَقُولُ لِي بَعْدَ مَا رَجَعَ مِنْ أَسْفَرَايِنَ: أَشْتَهِي أَنْ يَكُونَ مَوْتِي بِنَيْسَابُورَ حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيَّ جَمِيعُ نَيْسَابُورَ فَتُوُفِّيَ بَعْدَ هَذَا الْكَلامِ بِنَحْوٍ مِنْ خَمْسَةِ أَشْهُرٍ يَوْمَ عَاشُورَاءَ سَنَةَ ثَمَانَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، وَكَانَ يَوْمًا مَطِيرًا ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ بَعْدَ الظُّهْرِ وَحُمِلَ إِلَى مَقْبَرَةِ الْحِيرَةِ وَصَلَّى عَلَيْهِ الإِمَامُ الْمُوَفَّقُ وَدُفِنَ فِي مَشْهَدِ أَبِي بَكْرٍ الطُّوسِيِّ، ثُمَّ وَرَدَ ابْنُهُ فِي خَلْقٍ عَظِيمٍ وَنَقَلُوهُ بَعْدَ ثَلاثٍ وَصَلَّوْا عَلَيْهِ فِي مَيْدَانِ الْحُسَيْنِ، وَحَمَلُوهُ إِلَى أَسْفَرَايِنَ وَدُفِنَ فِي مَشْهَدِهِ وَالنَّاسُ يَتَبَرَّكُونَ بِهِ وَيَزُورُونَهُ وَتُسْتَجَابُ عِنْدَهُ الدَّعَوَاتُ، وَبَقِيَتْ بَعْدَهُ مِنْ آثَارِهِ وَتَصَانِيفِهِ جُمْلَةٌ تَبْقَى إِلَى الْقِيَامَةِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَحَكَى لِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّ ابْنَ الصَّاحِبِ كَانَ إِذَا انْتَهَى إِلَى ذِكْرِ الْبَاقِلانِيِّ وَابْنِ فَوْرَكٍ وَالأَسْفَرَايِنِيِّ، وَكَانُوا مُتَعَاصِرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الأَشْعَرِيِّ، قَالَ لأَصْحَابِهِ: إِنَّ الْبَاقِلانِيَّ بَحْرٌ مُغْرِقٌ، وَابْنَ فَوْرَكٍ جَبَلٌ مُطْرِقٌ، وَالأَسْفَرَايِنِيُّ نَارٌ تَحْرِقُ، وَكَأَنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِهِ حَتَّى أَخْبَرَ عَنْ حَالِ هَؤُلاءِ الثَّلاثَةِ بِمَا هُوَ حَقِيقَةُ الْحَالِ لَهُمْ، أَكْثَرَ أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَيْهَقِيُّ الرِّوَايَةَ عَنْهُ فِي تَصَانِيفِهِ.