أحمد بن محمد بن صاعد بن محمد أبو نصر قاضي القضاة الرئيس شيخ الإسلام

246 - أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَبُو نَصْرٍ قَاضِي الْقُضَاةِ الرَّئِيسُ شَيْخُ الإِسْلامِ، صَدْرُ الْمَحَافِلِ، الْمُقَدَّمُ الْعَزِيزُ مِنْ وَقْتِ صِبَاهُ فِي بَيْتِهِ وَعَشِيرَتِهِ، الْفَائِقُ أَقْرَانَهُ بِوُفُورِ حِشْمَتِهِ، رُبِّيَ فِي حِجْرِ الإِمَامَةِ وَكَانَ مِنْ أَوْجُهِ الأَحْفَادِ عِنْدَ الْقَاضِي الإِمَامِ صَاعِدٌ، وَكَانَ فِي عَهْدِ الصِّبَا مَخْصُوصًا بِرُجُولَتِهِ فِي طَبْعِهِ وَمَيْلٍ إِلَى الاشْتِغَالِ بِالْفُرُوسِيَّةِ وَالرَّمْيِ، وَكَانَ مِنْ أَجْمَلِ شُبَّانِ زَمَانِهِ حَتَّى اضْطَرَبَ الزَّمَانُ وَانْقَرَضَتْ عَنْ خُرَاسَانَ دَوْلَةُ مَحْمُودٍ وَأَوْلادُهُ وَتَحَرَّكَتْ رِيَاحُ آلِ السَّلْجُوِق فِي حَوَالَيْ سَنَةِ ثَلاثِينَ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ صَارَ -[119]- رَئِيسَ الرُّؤَسَاءِ بِهَا إِلَى نَيِّفٍ وَأَرْبَعِينَ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ حَتَّى مَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بَعْضَ الْمَيْلِ إِلَى التَّعَصُّبِ فِي الْمَذْهَبِ، وَأَخَذَ بِزِمَامِ اخْتِيَارَهِ إِلَى مَا لا يَلِيقُ بِالْكِبَارِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي الْعِنَادِ، وَمُطَاوَلَةِ الأَقْرَانِ مِنْ سَائِرِ الْفِرَقِ حَتَّى أَدَّى إِلَى إِفْحَاشِ الْعُلَمَاءِ فَكَانَ ذَلِكَ غَضًّا عَنْ مَنْصِبٍ حَمَشْتُهُ إِلَى سِنِيِّ نَيِّفٍ وَخَمْسِينَ حَتَّى انْتَهَتْ نَوْبَةُ الْوُدِّ بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ آلْبِ أَرْسَلانَ وَالْوَزِيرِ الْمَيْمُونِ نِظَامِ الْمُلْكِ فَانْجَلَتْ تَلْك السَّحَابَةُ عَنِ الْعَدْلِ وَكَانَ هَذَا الصَّدْرُ خَالِيًا عَنِ الْعَمَلِ بُرْهَةً مُشْتَغِلا بِأُمُورِ نَفْسِهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الأُبَّهَةِ وَالْحِشْمَةِ وَالنِّعْمَةِ، وَقَدْ بَعَثَ رَسُولا إِلَى مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، عَلِمَ اسْتِصْلاحَهُ لِلأُمُورِ الْجَسِيمَةِ، فَبَقِيَ عَلَى ذَلِكَ مُدَّةً إِلَى ابْتِدَاءِ الدَّوْلَةِ الْملكشَايفِيَّةِ، أَدَّى الْحَالُ إِلَى تَفْوِيضِ الْقَضَاءِ بِنَيْسَابُورَ إِلَى هَذَا الصَّدْرِ وَصَارَ قَاضِي الْقُضَاةِ عَلَى الإِطْلاقِ وَصَارَ مَجْلِسُهُ لِلْخَيْرَاتِ مَجْمَعًا، وَسَنَّ سُنَنًا صَالِحَةً فيِ الأُمُورِ وَعَقَدَ مجْلَسَ الإِمْلاءِ، عَشِيَّاتِ الْخَمِيسِ فِي رَمَضَانَ فِي الْجَامِعِ الْقَدِيمِ عَلَى رَسْمِ أَسْلافِهِ، وَكَانَ يَحْضُرُ مَنْ دَبَّ وَدَرَجَ مِنَ الْفِرَقِ وَتَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ الْمَشَايِخُ وَالأَئِمَّةُ بِالْحُضُورِ، وَلَمْ يَزَلْ يَرْتَفِعُ أَمْرُهُ إِلَى أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنَ ابْتِدَاءِ قَضَائِهِ، وَكَانَ صَدُوقَ اللَّهْجَةِ يُحِبُّ كُلَّ مَنْ ظَهَرَ عِنْدَهُ صِدْقُهُ وَيُبْغِضُ الْكَذِبَ وَأَهْلَهُ أَشَدَّ الْبُغْضِ، إِلَى أَنْ أَدْرَكَهُ قَضَاءُ اللَّهِ الَّذِي لا بُدَّ كُلُّ أَحَدٍ مِنْهُ بَعْدَ امْتِدَادِ مَرَضِ كُفْرٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بَعْضَ مَا سَلَفَ لَهُ مِنَ الْخَطَايَا الَّتِي لا يَخْلُو الإِنْسَانُ عَنْهَا، وَتُوُفِّيَ لَيْلَةَ الثُّلاثَاءِ قَبْلَ الصُّبْحِ الثَّامِنِ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُهُ الْقَاضِي الإِمَامُ الرَّئِيسُ أَبُو سَعِيدٍ فِي أَسْفَلِ سِكَّةِ الْعَصَّارِينَ، وَدُفِنَ فِي مَقْبَرَةِ أَسْلافِهِ فِي تِلْكَ السِّكَّةِ، وَقَدْ وُلِدَ سَنَةَ عَشْرٍ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، سَمِعَ الْكَثِيرُ عَنْ جَدِّهِ عِمَادِ الإِسْلامِ صَاعِدِ وَابْنِهِ الْقَاضِي أَبِي سَعِيدٍ مُحَمَّدٍ، وَعَمِّهِ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ صَاعِدٍ، وَسَمِعَ مِنْ أَصْحَابِ الأَصَمِّ كَالْقَاضِي الْحِيرِيِّ، وَالصَّيْرَفِيِّ، وَأَبِي زَكَرِيَّا الْمُزَكِّي، -[120]- وَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ عَبْدَانَ، وَأَبِي الْقَاسِمِ السَّرَّاجِ، وَأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ السُّكَّرِيِّ، وَالإِمَامِ أَبِي إِسْحَاقَ الإسفرايِنِيِّ، وَأَبِي الْحَسَنِ الطِّرَازِيِّ، وَابْنِ فَنْجَوَيْهِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ: أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، وَالأَمِيرِ أَبِي الْفَضْلِ بْنِ مِيكَالٍ، وَأَبِي بَكْرٍ الْمَشَّاطِ الْفَارِسِيِّ، وَأَبِي سَعْدٍ النَّصْرَوِيِّ وَالطَّبَقَةِ، وَسَمِعَ بِبَغْدَادَ مِنْ أَبِي الطَّيِّبِ الطَّبَرِيِّ وَبِبُخَارَى مِنْ أَبِي سَهْلٍ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكَلابَاذِيِّ وَجَمَاعَةٍ، وَقُرِئَ عَلَيْهِ مِنْ تَفَارِيقِ الْمَسْمُوعَاتِ سِوَى (الأَمَالِي) وَأَعْقَبَ، سَمِعْتُ مِنْهُ فِي الإِمْلاءِ وَحَدَّثَنَا الْقَاضِي الرَّئِيسُ أَبُو نَصْرٍ، ثنا الْقَاضِي أَبُو ثَابِتٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْبُخَارِيُّ، أَنْبَا أَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الصُّوفِيُّ، أَنْبَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْهَرَوِيُّ، ثنا مُسَبِّحُ بْنُ حَاتِمٍ الْعُكْلِيُّ، ثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الْمُتَوَكِّلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ يَمْدَحُ الرِّفْقَ فَأَكْثَرَ فِي مَدْحِهِ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْشَدَنِي الأَصْمَعِيُّ فِي الرِّفْقِ بَيْتَيْنِ، فَقَالَ: مَا هُمَا يَا نَصْرُ؟ فَقُلْتُ: لَمْ أَرَ مِثْلَ الرِّفْقِ فِي لِينِهِ قَدْ أَخْرَجَ الْعَذْرَاءَ مِنْ خِدْرِهَا مَنْ يَسْتَعِنْ بِالرِّفْقِ فِي أَمْرِهِ يَسْتَخْرِجُ الْحَيَّةَ مِنْ جُحْرِهَا قَالَ: فَقَالَ: يَا غُلامُ، الدَّوَاةَ وَالْقِرْطَاسَ، فَكَتَبَهُمَا بِيَدِهِ#.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015