238 - أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ الْحَافِظُ أَبُو صَالِحٍ الْمُؤَذِّنُ الأَمِينُ الْمُتْقِنُ الثِّقَةُ الْمُحَدِّثُ الصُّوفِيُّ، شَيْخٌ وَحْدَهُ فِي طَرِيقَتِهِ وَجَمْعِهِ وَإِفَادَتِهِ، مَا رَأَيْنَا مِثْلَهُ، حَفِظَ الْقُرْآنَ وَجَمَعَ الأَحَادِيثَ، وَسَمِعَ الْكَثِيرَ، وَصَنَّفَ الأَبْوَابَ، وَالْمَشَايِخَ، وَأَفَادَ أَوْلادَ الأَئِمَّةِ، وَسَعَى فِي الْخَيْرَاتِ، وَصَحِبَ مَشَايِخَ الصُّوفِيَّةِ، وَلَزِمَ زَيْنَ الإِسْلامِ أَبَا الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيَّ فِي طَرِيقَتِهِ بَعْدَ أَنْ لَقِيَ أَبَا عَلِيٍّ الدَّقَّاقَ، وَطَبَقَةَ الأَئِمَّةِ كَالأُسْتَاذِ أَبِي بَكْرِ بْنِ فَوْرَكٍ، ثُمَّ جَمَعَ (الأَرْبَعِينَاتِ) لِلأَحْفَادِ، وَجَمَعَ لِنَفْسِهِ (الآحَادَ الأَلْفَ) ، عَنْ أَلْفِ شَيْخٍ مِنْ مَشَايِخِ خُرَاسَانَ وَالْعِرَاقِ وَالْحِجَازِ، وَالشَّامِ، وَكُنْتُ مِمَّنْ يَحْظَى بِالإِقْبَالِ عَلَيْهِ لِحُقُوقِ الأَسْلافِ وَيُفِيدُنِي السَّمَاعَ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ مَعَ أَوْلادِهِ، كَانَ يَحُثُّنِي عَلَى مَعْرِفَةِ الأَحَادِيثِ وَالاعْتِنَاءِ بِعِلْمِهِ وَحِفْظِهِ وَيُوصِينِي بِذَلِكَ، لَمْ أَتَمَكَّنْ مِنْ تَحْرِيرِ طَرَفٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي قَصَدْتُ جَمْعَهُ إِلا مِنْ مُسَوَّدَاتِهِ وَمَجْمُوعَاتِهِ، فَهِيَ الْمَرْجُوعُ إِلَيْهَا فِيمَا أَحَتَاجُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ وَتَخْرِيجِهِ، وَقَدْ كَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ وَاخْتِصَاصٌ بِالشَّيْخِ أَبِي الْحُسَيْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ جَدِّي، وَمَا دَخَلَهُ وَعِنَايَةٌ بِتَرْبِيَةِ مَجْلِسِهِ وَنَصْبِ الْقِرَاءَةِ لِكِتَابَيِ الصَّحيِحِ وَالْغَرِيبِ الْمُخْتَصَّيْنِ بِهِ وَبِرِوَايَتِهِ، ثُمَّ كَانَ عَلَيْهِ الاعْتِمَادُ فِي الْوَدَائِعِ، وَكُتُبِ الْحَدِيثِ الْمَجْمُوعَةِ فِي الْخَزَائِنِ الْمَوْرُوثَةِ عَنِ الْمَشَايِخِ، وَالْمَوْقُوفَةِ عَلَى أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فَكَانَتْ مَوْضُوعَةً عِنْدَهُ فِي الْحُجْرَةِ فِي الْمَدْرَسَةِ الْمَنْسُوبَةِ إِلَى الْبَيْهَقِيِّ فَكَانَ يَصُونُهَا وَيَتَعَهَّدُ حِفْظَهَا، وَيَتَوَلَّى أَوْقَافَ الْمُحَدِّثِينَ مِنَ الْحِبَرِ وَالْكَاغِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَيَقُومُ بِتَفْرِيقِهَا عَلَيْهِمْ وَإِيصَالِهَا إِلَى مَظَانِّهَا، وَيَسْعَى فِي -[114]- أَوْقَافِ مَدْرَسَةِ الْبَيْهَقِيِّ وَعِمَارَتِهَا وَتَعَهَّدَ بِوَقْتِهَا، وَقَدْ أَذَّنَ فِيهَا سِنِينَ وَوَعَظَ الْمُسْلِمِينَ وَذَكَّرَهُمُ الأَذْكَارَ فِي اللَّيَالِي عَلَى الْمِأْذَنَةِ، وَقَامَ بِذَلِكَ حِسْبَةً، وَسَعَى فِي سَائِرِ الْخَيْرَاتِ، وَكَانَ يَأْخُذُ صَدَقَاتِ الرُّؤَسَاءِ وَالتُّجَّارِ وَيُوَصِّلُهَا إِلَى الْمُسْتَحِقِّينَ وَالْمَسْتُورِينَ مِنْ ذَوِي الْحَاجَاتِ، وَالأَرَامِلِ وَالْيَتَامَى، وَأُولِي الضَّرَرِ، وَيُقِيمُ مَجَالِسَ الْحَدِيثِ، وَيُقْرَأُ عَلَيْهِ، وَكَانَ إِذَا فَرَغَ يَجْمَعُ وَيُصَنِّفُ وَيُفِيدُ.
شَكَرَ اللَّهُ سَعْيَهُ فِي الدَّرْسِ، وَلَوْ ذَهَبْتُ أَشْرَحُ مَا رَأَيْتُ مِنْهُ مِنْ هَذِهِ الأَجْنَاسِ لَسَوَّدْتُ أَوْرَاقًا جَمَّةً وَمَا انْتَهَيْتُ إِلَى اسْتِيفَاءِ ذَلِكَ، وَقَدْ سَمِعْتُ مِنْهُ كُتُبًا جَمَّةً، مِنْهَا كِتَابُ (حِلْيَةِ الأَوْلِيَاءِ) لِلشَّيْخِ أَبِي نُعَيْمٍ بِتَمَامِهِ، وَ (مُسْنَدِ الطَّيَالِسِيِّ) ، وَ (مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ) وَ (الأَرْبِعِينَاتِ) مِنْ جَمْعِهِ، وَ (الأَحَادِيثِ الأَلْفِ) ، وَمِنَ الْمُتَفَرِّقَاتِ مَا يَعْسُرُ ضَبْطُهُ وَحَصْرُهُ، كَانَ يَرْوِي عَنِ: السَّيِّدِ الْحَسَنِ الْعَلَوِيِّ، وَأَبِي نُعَيْمٍ الإسفرايِنِيِّ، وَالزِّيَادِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَبِي زَكَرِيَّا الْمُزَكِّي، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وَابْنِ فَوْرَكٍ، وَأَصْحَابِ الأَصَمِّ، كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ الصَّيْرَفِيِّ، وَأَبِي الْقَاسِمِ السَّرَّاجِ، ثُمَّ مَشَايِخِ جُرْجَانَ، وَالرَّيِّ، وَالْعِرَاقِ، وَالْحِجَازِ، وَمَا تَفَرَّغَ لِعَقْدِ الإِمْلاءِ مِنْ كَثْرَةِ مَا هُوَ بِصَدَدِهِ مِنَ الأَشْغَالِ وَالْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَلَمْ يُدْرِكْ إِسْنَادَ السَّرَّاجِ، عَنِ الْمَخْلَدِيِّ وَالْخَفَّافِ مَعَ إِمْكَانِهِ لَهُ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ التَّاسِعِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ سَبْعِينَ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ.