منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني المروزي الإمام أبو المظفر

1497 - مَنْصُورُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السَّمْعَانِيُّ الْمَرْوَزِيُّ الإِمَامُ أَبُو الْمُظَفَّرِ، وَحِيدُ عَصْرِهِ فِي وَقْتِهِ؛ فَضْلا وَطَرِيقًا وَزُهْدًا وَوَرَعًا، مِنْ بَيْتِ الْعِلْمِ وَالزُّهْدِ، أَبُوهُ الْقَاضِي مُحَمَّدٌ، مِنْ وُجُوهِ مَشَايِخِ مَرْوَ وَأَفَاضِلِهِمْ، وَهَذَا نَشَا فِي التَّعَلُّمِ وَدَرَسَ عَلَى أَبِيهِ الْفِقْهَ، وَتَخَرَّجَ فِيهِ وَصَارَ مِنْ فُحُولِ أَهْلِ النَّظَرِ، وَبَقِيَ عَلَى ذَلِكَ حَنَفِيَّ الْمَذْهَبِ يَدْرُسُ وَيُنَاظِرُ وَيُطَالِعُ كُتُبَ الْحَدِيثِ، وَخَرَجَ فِي شَبَابِهِ إِلَى الْحَجِّ، وَقَدِمَ نَيْسَابُورَ، وَحَضَرَ مَجْلِسَ الْمُنَاظَرَةِ وَتَكَلَّمَ فِي الْمَسَائِلِ بِحَضْرَةِ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ فَارْتَضَى كَلامَهُ وَخَاطِرَهُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَأَقَرَّ لَهُ بِفِقْهِ خَاطِرِهِ وَطَبْعِهِ، سَمِعْتُ مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّهُ قَالَ: لَوْلا عُقْلَةٌ قَلِيلَةٌ فِي لِسَانِهِ لفص عَلَى جَرَيَانِهِ لَسَبَقَ بِفَضْلِهِ أَقْرَانَهُ، ثُمَّ لَمَّا عَادَ مِنَ الْحَجِّ وَقَفَلَ إِلَى مَرْوَ وَسَمِعَ وَلَقِيَ الْمَشَايِخَ، وَزَارَ الْمَشَاهِدَ وَأَكْثَرَ النَّظَرَ فِي الْحَدِيثِ وَكَتَبَهُ، وَقَعَ لَهُ أَنْ يَنْتَحِلَ مَذْهَبَ الْحَدِيثِ وَيَعْتَقِدَ رَأْيَ الْمُطَّلِبِيِّ وَتَرَكَ طَرِيقَتَهُ الَّتِي نَاظَرَ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثِينَ سَنَةً، وَتَحَوَّلَ إِلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَظْهَرَ ذَلِكَ وَاضْطَرَبَ أَهْلُ مَرْوَ فِي ذَلِكَ، وَأَدَّى الأَمْرُ إِلَى تَشْوِيشِ الْعَوَامِّ، فَخَرَجَ مِنْهَا وَصَحِبَهُ الأَصْلُ السَّيِّدُ ذُو الْمَجْدَيْنِ، وَطَائِفَةٌ مِنَ الأَصْحَابِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَهَاءِ، وَصَارَ إِلَى طُوسَ ثُمَّ قَصَدَ نَيْسَابُورَ وَاسْتَقْبَلَهُ الأَصْحَابُ اسْتِقْبَالا عَظِيمًا حَسَنًا، وَكَانَ نَوْبَةُ نِظَامِ الْمُلْكِ وَعَمِيدُ الْحَضْرَةِ أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَأَكْرَمُوهُ وَأَنْزَلُوهُ فِي عِزٍّ وَحِشْمَةٍ، وَقَامَ عَمِيدُ الْحَضْرَةِ بِكِفَايَتِهِ مَعَ مَنْ مَعَهُ، وَعُقِدَ لَهُ مَجْلِسُ التَّذْكِيرِ، وَكَانَ بَحْرًا فِيهِ حَافِظًا الْكَثِيرَ مِنَ الْحِكَايَاتِ وَالنُّكَتِ وَالأَشْعَارِ فَظَهَرَ لَهُ الْقَبُولُ مِنَ الْخَاصِّ وَالْعَوَامِّ وَتَوَاتَرَتْ إِلَيْهِ الْفُتُوحُ، وَكَتَبَ نِظَامُ -[484]- الْمُلْكِ فِي إِكْرَامِهِ وَأَبْوَابِهِ الْكُتُبَ وَبَعَثَ إِلَيْهِ الْخِلَعَ وَالْمَرْكَبَ وَأَخَذَ هُوَ فِي عَقْدِ الْمَجْلِسِ وَالْمُنَاظَرَةِ عَلَى رَغْمِ الْمُخَالِفِينَ وَبَالَغَ فِي سَمَاعِ الْحَدِيثِ وَطَافَ عَلَى مَشَايِخِنَا الْعَصْرِيِّينَ مِثْلَ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْبَحِيرِيِّ، فَسَمِعَ مِنْهُ (مُسْنَدَ أَبِي عَوَانَةَ) وَأَكْثَرَ مِنْ أَبِي صَالِحٍ الْمُؤَذِّنِ، وَالتَّفْلِيسِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ خَلَفٍ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي زَكَرِيَّا، وَأَبِي سَعْدِ بْنِ رَامِشٍ وَطَبَقَةٍ لِلْمَشَايِخِ، وَحَصَّلَ النُّسَخَ وَأَمَرَ بِكُتُبِ الْمُتَفَرِّقَاتِ وَاسْتَحْكَمَ أَمْرُهُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَبَعْدَ أَنْ أَقَامَ مُدَّةً بِنَيْسَابُورَ فِي سِنِيِّ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ عَادَ إِلَى مَرْوَ وَعُقِدَ لَهُ مَجْلِسُ التَّذْكِيرِ وَالتَّدْرِيسِ فِي مَدْرَسَةِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَصَارَ مِنَ الْوُجُوهِ وَالأَكَابِرِ الْمُعْتَبَرِينَ، وَرَفَعَ نِظَامُ الْمُلْكِ مِنْ حِشْمَتِهِ وَجَذَبَ بِأَصْبُعَيْهِ وَقَدَمِهِ عَلَى أَقْرَانِهِ، وَعَلا أَمْرُهُ وَظَهَرَ لَهُ الأَوْلادُ وَالأَصْحَابُ، وَاتَّفَقَ لَهُ الْحُضُورُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى نَيْسَابُورَ بَعْدَ مَا شَابَ وَسَمِعَ بِقِرَاءَاتِي الْكَثِيرَ، وَكَانَ رَاغِبًا فِي ذَلِكَ قَلَّ مَا كَانَ يَحْضُرُ مَجْلِسًا إِلا وَكَانَ يَأْمُرُ بِالْقِرَاءَةِ، وَكَانَتْ قِرَاءَاتِي أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ قِرَاءَةِ نَفْسِهِ، ثُمَّ فِي الْكَرَّةِ الثَّانِيَةِ خَرَجَ إِلَى أَصْبَهَانَ وَكَانَ عِنْدَهُمْ فِي وَفَاةِ نِظَامِ الْمُلْكِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى مَرْوَ وَكَانَ أَمْرُهُ كُلَّ يَوْمٍ فِي الْعُلُوِّ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الآخِرِ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاثِينَ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، رَوَى عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنِ الإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أَحْمَدَ الشِّيرْنَخْشِيرِيِّ إِمْلاءً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015