وكلاهما حسن، والبيان لغة أهل الحجاز.
وإنَّما لم يُلتزم الإدغام [61أ] هنا؛ لأنَّ الأوَّل من المِثلين لا يلزم أن يكون ما بعده من جنسه، ويلزم ذلك في الكلمة الواحدة. فكأنَّ1 اجتماع المِثلين [فيهما] 2 عارض، فلذلك اعتُدَّ به مرَّة3، ولم يُعتدَّ به أُخرى. وذلك نحو: "يُكَذِّب بّالدِّينِ"4 و"جَعَل لَّكَ"5 ويَد دَّاودَ، وخاتَم مُّوسَى. وأقوى ما يكون الإدغام وأحسنه إذا أدَّى الإظهار إلى اجتماع خمسة أحرف بالتحريك فأكثرَ، نحو: جَعَل لَّكَ، وفَعَل لَّبيدٌ، لثقل6 توالي الحركات. وكلَّما كان توالي الحركات أكثر كان الإدغام أحسن.
وإن كان ما قبله ساكنًا -أعني ما قبل الأوَّل من المِثلين- فلا يخلو من أن يكون الساكن حرف علَّة، أو لا يكون. فإن كان الساكن حرف عِلَّة حذفتَ الحركة من المِثلين وأدغمته في الثاني، وإن شئتَ أظهرت. وذلك نحو: دار رَّاشدٍ، وثَوب بَّكرٍ، وجَيب بَّشيرٍ، ويَظلِمونِّي7.
وإنَّما جاز الجمع بين ساكنين8 لِما في الساكن الأوَّل من اللِّين9 ولِما في الحرف المشدَّد من التشبُّث بالحركة؛ ولأنَّ التقاء الساكنين فيها غير لازم إذ قد يزول بالإظهار. والبيان هنا أحسن من البيان في مثل "جَعَل لَّك"، لسكون ما قبله، فلم يتوالَ10 فيه من الحركات ما توالى في "جَعَل لَّك". وأيضًا فإنَّ الإدغام يؤدِّي إلى اجتماع ساكنين.
فإن كان الساكن حرفًَا صحيحًا لم يجز الإدغام، نحو: اسمُ مُوسَى، وابنُ نُوح. وإنَّما لم يجز الإدغام فيه؛ لأنَّ الإدغام في الكلمتين أضعف منه في الكلمة الواحدة؛ ألا ترى أنه يلزم في الكلمة الواحدة ولا يلزم في الكلمتين. فلمَّا كان أضعفَ لم يقوَ لعى أن يُغيَّر له الحرف الساكن بالتحريك. إذ لو أَدغمتَ لم يكن بدٌّ من تحريك سين11 "اسم" وباء "ابن"12. ولكنَّك تُخفي إن شئت، وتُحقِّق إن شئت. والمُخفَى بزِنة المحقَّق، إِلَّا أنك تختلس الحركة اختلاسًا.