ومن ذلك قولُ الشاعر1:
وبَعدَ انتِهاضِ الشَّيبِ, مِن كُلِّ جانِبٍ ... علَى لِمَّتِي, حَتَّى اشْعأَلَّ بَهِيمُها
يريد "اشعالَّ" من قوله تعالى: {واشتَعلَ الرأسُ شَيبًا} 2. وقال دُكين3:
راكِدةٌ مِخلاتُهُ, ومَحلَبُهْ ... وجُلُّهُ, حَتَّى أبيأَضَّ مَلبَبُهْ
يريد: ابياضَّ. وقال كُثيّر4:
ولِلأرضِ: أمَّا سُودُها فتَجَلَّلَتْ ... بَياضًا, وأمَّا بِيضُها فادهأَمَّتِ
يريد: فادهامَّت.
وقد كاد يتسع هذا عندهم5. إِلَّا أنه مع ذلك لم يكثر كثرة تُوجب القياس. قال أبو العبَّاس6: قلتُ لأبي عُثمانَ: أَتَقيسُ هذا النحوَ؟ قال: "لا، ولا أَقبلُه". بل ينقاس ذلك عندي، في ضرورة الشعر. ومن هذا القَبيل جَعَلَ ابنُ جنِّي7 قولَ الراجز8.
من أيِّ يَومَيِّ مِنَ المَوتِ أَفِرْ ... أيَومَ لم يُقدَرَ أم يَومَ قُدِرْ؟
وذلك9 أنَّ الأصل "أيومَ لم يُقدَرْ أَم يَومَ"، فأُبدلت الهمزة ألفًا، وإن كان قبلها ساكن، على حدِّ قولهم في المَرْأة: "المَراة"، وفي مُتْأر: "مُتار"10. قال:
إِذا اجتَمَعُوا علَيَّ, وأَشقَذُونِي ... فصِرتُ كأنَّنِي فَرَأٌ, مُتارُ11
وذلك بأن أَلقَوا حركة الهمزة على الساكن، ولم يحذفوا الهمزة، بل جاءت ساكنة بعد الفتحة،