الملل والنحل (صفحة 581)

وببركة ذلك النور قال لأبرهة: "إن لهذا البيت ربا يحفظه ويذب عنه" وفيه قال: وقد صعد إلى جبل أبي قبيس:

لا هم إن المرء يمـ ... ـنع حله فامنع حلالك1

لا يغلبن صليبهم ... ومحالهم غدرا محالك2

إن كنت تاركهم وكعـ ... ـبتنا فأمر ما بدا لك

وببركة ذلك النور كان يقول في وصاياه: "إنه لن يخرج من الدنيا ظلوم حتى ينتقم الله منه وتصيبه عقوبة"، إلى أن هلك رجل ظلوم حتف أنفه لم تصبه عقوبة، فقيل لعبد المطلب في ذلك، ففكر وقال: والله إن وراء هذه الدار دار يجزي فيها المحسن بإحسانه، ويعاقب فيها المسيء بإساءته.

ومما يدل على إثباته المبدأ والمعاد أنه كان يضرب بالقداح على ابنه عبد الله ويقول:

يا رب أنت الملك المحمود ... وأنت ربي المبدئ والمعيد

من عندك الطارف والتليد

ومما يدل على معرفته بحال الرسالة وشرف النبوة أن أهل مكة لما اصابهم ذلك الجدب العظيم وأمسك السحاب عنهم سنتين أمر أبا طالب ابنه أن يحضر المصطفى محمدا صلى الله عليه وسلم، فأحضره وهو رضيع في قماط فوضعه على يديه، واستقبل الكعبة ورماه إلى السماء، وقال: "يا رب! بحق هذا الغلام" ورماه ثانيا وثالثا. وكان يقول بحق هذا الغلام اسقنا غيثا مغيثا دائما هطلا. فلم يلبث ساعة أن طبق السحاب وجه السماء وأمطر، حتى خافوا على المسجد. وأنشد أبو طالب ذلك الشعر اللامي الذي منه:

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل3

طور بواسطة نورين ميديا © 2015