وكانت بين المعتزلة وبين السلف في كل زمان اختلافات في الصفات، وكان السلف يناظرونهم عليها، لا على قانون كلامي، بل على قول إقناعي، ويسمون الصفاتية، فمن مثبت صفات الباري تعالى معاني قائمة بذاته، ومن مشبه صفاته بصفات الخلق، وكلهم يتعلقون بظواهر الكتاب والسنة، ويناظرون المعتزلة في قدم العالم على قول ظاهر وكان عبد الله بن سعيد الكلابي، وأبو العباسيي القلانسي، والحارث بن أسد المحاسبي أشبههم إتقانا، وأمتنهم كلاما، وجرت مناظرة بين أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، وبين أستاذه أبي علي الجبائي في بعض مسائل التحسين والتقبيح، فألزم الأشعري أستاذه أمورلم يخرج عنها بجواب فأعرض عنه وانحاز إلى طائفة السلف ونصر مذهبهم على قاعدة كلامية؛ فصار ذلك مذهبا منفردا، وقرر طريقته جماعة من المحققين مثل القاضي أبي بكر الباقلاني، والأستاذ أبي إسحاق الإسفرائيني، والأستاذ أبي بكر بن فورك، وليس بينهم كثير اختلاف.
ونبغ رجل متنمس1 بالزهد من سجستان يقال له أبو عبد الله محمد بن كرام، قليل العلم، قد قمش2 من كل مذهب ضغثا3 وأثبته في كتابه. وروجه على أغتام4 غرجة، وغور، وسواد بلاد خراسان، فانتظم ناموسه وصار ذلك مذهبا، وقد نصره محمود بن سبكتكين السلطان، وصب البلاء على أصحاب الحديث والشيعة من جهتهم، وهو أقرب مذهب إلى مذهب الخوارج، وهم مجسمة، وحاش غير محمد بن الهيصم فإنه مقارب.