ثم الاجتهاد من فروض الكفايات، لا من فروض الأعيان: إذا اشتغل بتحصيله واحد سقط الفرض عن الجميع، وإن قصر فيه أهل عصر: عصوا بتركه، وأشرفوا على خطر عظيم؛ فإن الأحكام الشرعية الاجتهادية، إذا كانت مترتبة على الاجتهاد، ترتب المسبب على السبب: كانت الأحكام عاطلة، والآراء كلها فائلة1. فلا بد إذن من مجتهد.
وإذا اجتهد المجتهدان، وأدى اجتهاد كل واحد منهما إلى خلاف ما أدى إليه اجتهاد الآخر؛ فلا يجوز لأحدهما تقليد الآخر. وكذلك إذا اجتهد مجتهد واحد في حادثة، وأدى اجتهاده إلى جواز أو خطر، ثم حدثت تلك الحادثة بعينها، في وقت آخر؛ فلا يجوز له أن يأخذ باجتهاده الأول؛ إذ يجوز أن يبدو له في الاجتهاد الثاني ما أغفله في الاجتهاد الأول.
وأما العامي؛ فيجب عليه تقليد المجتهد، وإنما مذهبه فيما يسأله: مذهب من يسأله عنه. هذا هو الأصل؛ إلا أن علماء الفريقين: لم يجوزوا أن يأخذ العامي الحنفي إلا بمذهب أبي حنيفة، والعامي الشافعي إلا بمذهب الشافعي؛ لأن الحكم بأن لا مذهب للعامي، وأن مذهبه مذهب المفتي: يؤدي إلى خلط، وخبط؛ فلهذا لم يجوزوا ذلك.
وإذا كان مجتهدان في بلد: اجتهد العامي فيهما، حتى يختار الأفضل والأروع، ويأخذ بفتواه. وإذا أفتى المفتي على مذهبه، وحكم به قاض من القضاة على مقتضى فتواه ثبت الحكم على المذاهب كلها؛ وكان القضاء إذا اتصل بالفتوى ألزم الحكم؛ كالقبض مثلاً إذا اتصل بالعقد. ثم العامي بأي شيء يعرف أن المجتهد قد وصل إلى حد الاجتهاد؟ وكذلك المجتهد نفسه متى يعرف أنه استكمل شرائط الاجتهاد؟ ... ففيه نظر.