وحسبهم أن يعترفوا بسلطان الدولة ويقيموا على الإخلاص لها حتى يكون لهم مالنا وعليهم ما علينا.

هذه هي مبادئ التسامح الديني في الإسلام الذي قامت عليه حضارتنا، وهي توجب على المسلم أن يؤمن بأنبياء الله ورسله جميعا، وألا يتعرض لأتباعهم بسوء، يلين القول، يحسن جوارهم ويقبل ضيافتهم، وله أن يصاهرهم مع ما في ذلك من اختلاط للأسر، وامتزاج للدماء، وأوجب الأسلام على الدولة المسلمة أن تحمي أماكن عبادتهم وألا تتدخل في عقائدهم، ولا تجور عليهم في حكم، وتسويهم بالمسلمين في الحقوق والواجبات العامة، وأن تصون كرامتهم وحياتهم كما تصون كرامة المسلمين وحياتهم.

وعلى هذه الأسس قامت حضارتنا، وبها رأت الدنيا لأول مرة دينا ينشئ حضارة فلا يتعصب على غيره من الأديان، ولا يطرد غير المؤمنين به من مجال العمل الاجتماعي والمنزلة الاجتماعية، وظل التسامح شرعة الحضارة الإسلامية منذ وضع أساسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أخذت في الانهيار، فضاعت المبادئ ونسيت الأوامر، وجهل الناس دينهم، فابتعدوا عن هذا التسامح الديني العظيم.

من صور التسامح في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم:

لما هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة وفيها من اليهود عدد كبير، كان من أول ما عمله من شئون الدولة أن أقام بينه وبينهم ميثاقا تحترم فيه عقائدهم وتلتزم فيه الدولة بدفع الأذى عنهم، ويكونون مع المسلمين يدًا واحدة على من يقصد المدينة بسوء، فطبق بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مبادئ التسامح الديني في البذور الأولى للحضارة الإسلامية.

وكان للرسول -صلى الله عليه وسلم- جيران من أهل الكتاب، فكان يتعاهدهم ببرة ويهديهم الهدايا ويتقبل منهم هداياهم، حتى أن امرأة يهودية دست له السم في ذراع شاة أهدتها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015