وما زال في رقيّ وازدياد منذ قدم حتّى مات، رحمه الله.
ومن فضائله أنّه كان يتصدّق في كلّ سنة بعد إخراج الزكاة الواجبة عليه بثمانية آلاف إردبّ من القمح، وثمانين ألف درهم من الفضّة، عنها نحو أربعة آلاف دينار (?).
[402 أ] جوّاز- ويقال جوّاب- الضّبّيّ، أحد رؤساء الخوارج.
كان مع عبد الله بن الزبير حتّى قتله الحجّاج بن يوسف، فهرب ولم يزل هاربا حتّى ضاقت عليه الأرض. وقدم الشام فنزل على عبد الله بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وكانوا يضيفون من لا يعرفون.
فكتب الحجّاج إلى عبد الملك [بن مروان] كتابا ذكر فيه الخلافة والطاعة، فعظّم أمر الخلافة وقدرها والطاعة، وزعم أنّما قامت السماوات والأرض بهما، وأنّ الخليفة أعظم عند الله منزلة من الملائكة المقرّبين والأنبياء المرسلين، لأنّه خليفة الله في الأرض وخيرته من خلقه، وذلك أنّ الله خلق آدم بيده ونفخ فيه من روحه وأسكنه الأرض فجعله خليفته، ثمّ جعل ملائكته رسلا إليه، وإنّما الرسل من الله إلى الخليقة.
فازدهى ذلك عبد الملك وقال: وددت أنّ عندي بعض الخوارج أخاصمه بهذا الكتاب.
فانصرف جلساؤه إلى منازلهم. فقال عبد الله بن يزيد: إنّ أمير المؤمنين أتاه كتاب الحجّاج بكذى وكذى، وقال كذى.
فقال له جوّاز: أتثق به؟
قال: نعم.
قال: فتوثّق منه ثمّ أعلمني [305 ب].
فراح عبد الله فذكر لعبد الملك عن جوّاز قوله. قال: أحضره!
فأتى عبد الله فذكر ذلك لجوّاز. فأصبح جوّاز فاغتسل ولبس ثوبين أبيضين وتحنّط، ثمّ جاء إلى باب عبد الملك. ودخل عبد الله فاستأذن عليه فأذن له، فدخل (?) بسمت وسكون فسلّم ثمّ جلس.
فقال عبد الملك: يا غلام، ائت بكتاب الحجّاج! فأتي به. فقال: اقرأ!
فقرأ حتى فرغ. فقال جوّاز: أراه قد جعلك في موضع ملكا، وفي موضع نبيّا، وفي موضع خليفة. فإن كنت ملكا، فحدّثنا: متى نزلت؟ وإن كنت نبيّا فحدّثنا: من استنبأك؟ وإن كنت خليفة، فأخبرنا من استخلفك؟ أعن ملإ من المسلمين، أو ابتزازا لأمورهم؟
فقال أميّة بن عبد الله بن خالد القسريّ: يا أمير المؤمنين، منهم والله!
قال جوّاز لأميّة: لو كنت منهم عرفتني يوم أبي فديك (?).