حتى كلّت خيول التتار، وخارت قواهم، وألقوا سلاحهم واستسلموا للقتل، فقتلتهم العساكر قتلا ذريعا بغير مدافعة عنهم عن أنفسهم، فكان أرذال العامّة والغلمان يقتلون منهم خلائق ويغنمون شيئا كثيرا، ويقتل الواحد من العساكر العشرين من التتر وأكثر. وخرج عربان البلاد إليهم وكادوهم بأن صار يأتي الجماعة من التتر اثنان أو ثلاثة من العرب في صورة من يدلّهم على الطريق فيدخل بهم البرّيّة ويسير معهم إلى الليل، ثمّ يتركهم ويمضي فيتحيّرون في البرّيّة طول الليل، فإذا أصبحوا ماتوا عطشا. وكان منهم جماعة قد اختفوا في غوطة دمشق فقتلوا عن آخرهم.
وتتبّع بغزّة من نهب الخزائن، وأخذوا بما نهبوه منها، بحيث لم يذهب منها إلّا القليل. وشمل السلطان الأمراء بالخلع والإنعام، ثمّ توجّه من دمشق في ثالث شوّال إلى جهة مصر.
ومرّ قطلوشاه على وجهه في قليل من أصحابه إلى غازان، فنزل به من الغمّ ما لا يوصف.
وقدم السلطان إلى القاهرة يوم الثلاثاء ثالث عشرين شوّال، وقد تزيّنت زينة عظيمة جدّا نصب فيها سبعون قلعة من باب النصر إلى باب زويلة وإلى باب القلعة، بلغت النفقة عليها آلافا كثيرة.
وقدم أهل الأرياف لرؤية السلطان، وخرج أهل القاهرة ومصر عن آخرهم، فبلغ اكتراء البيت للفرجة من بين خمسين درهما إلى مائة درهم.
وعند ما وصل السلطان إلى باب النصر، ترجّل الأمراء كلّهم وسار على رأسه الجترة (?) بالقبّة والطير على شفاف الحرير، وهو يتأمّل القلاع التي
[93 ب] نصبها الأمراء وزيّنوها، وصار كلّ أمير يفرش الشقاق الحرير من قلعته إلى قلعة غيره.
وقدّمت أسرى التتر بين يدي السلطان، وفي أرجلهم القيود، ورءوس قتلاهم معلّقة في رقابهم، وعدّتهم ألف وستّمائة أسير، في أعناقهم ألف وستّمائة رأس. وحملت ألف رأس على ألف رمح، وجعلت طبولهم مخرّقة، وأعلامهم منكّسة، وسهامهم مكسّرة.
فلمّا وصل السلطان إلى المدرسة المنصوريّة صعدها وزار قبر أبيه، ثم توجّه على شقاق الحرير بفرسه إلى أن عبر قصره بقلعة الجبل. فكان يوما عظيما إلى الغاية.
فلمّا دخلت سنة ثلاث وسبعمائة، أكمل السلطان عمارة المدرسة الناصريّة بجوار المارستان المنصوريّ بين القصرين. وكان العادل كتبغا قد شرع في بنائها، فخلع ولم تكمل. فلمّا تمّ بناؤها قرّر بها [السلطان الناصر] أربعة دروس على المذاهب الأربعة، وجعل لها أوقافا جليلة فاستمرّت إلى يومنا.
وفيها توجّهت العساكر ونازلت [قلعة] تلّ حمدون حتّى فتحتها. ودخل بعض العسكر الدربند (?) ونهب وأسر.
وفي سنة خمس وسبعمائة (?) غزت العساكر جبل كسروان الروافض.
فلمّا كان أوّل محرّم سنة سبع وسبعمائة (?) عيل